– حرامٌ استمرار تطبيق حريَّة التعبير عن الرأي متى لامست الخطر على الجوّ الوطني (أمين أبوراشد)
***
أمام الدعوة التي وجَّهها فخامة الرئيس ميشال عون الى الإعلام، خلال حضوره الإحتفال بعيد قوى الأمن الداخلي، وتوصيته بأن يتحمَّل هذا الإعلام مسؤوليته في نقل الإيجابيات بدل تيئيس الناس، نُسجِّل وبكل أسف تحفُّظنا على وسيلة إعلامٍ جديدة غير مُنضبطة تُسَمِّم البلد إسمها موقع “تويتر”.
لسنا بوارد الدخول في التسميات، لكن أن تغدو الممارسة السياسية تغريدات مسمومة على “التويتر” تُقابلها تغريدات غير مسؤولة على مستوى زعماء سياسيين ونواب ووزارء، بما يتعارض وأبسط الأصول الأدبية والوطنية والأخلاقية، فإننا نتوجَّه الى فخامة الرئيس بالقول: إننا أمام مُعضلة قد تقُودنا الى كارثة وطنية متى تغدو وسائل التواصل الإجتماعي أدوات بأيدي السياسيين لإدارة شؤون الوطن والناس، عبر الفحيح الطائفي والمذهبي الذي ينعكس على الشارع توترات من إنتاج “التويتر”.
إننا وبكل صراحة نَدِقُّ نواقيس الخطر، ليس لأن “التويتر” بات منبر تسجيل المواقف، وأمس شهِدنا تغريدات للرئيس الأميركي على خلفية رفضه البيان الختامي لقِمَّة الدول السبع، وكان ردٌّ من رئيس الوزراء الكندي، وردٌّ من الرئيس الفرنسي، لكن التغريدات على مستوى زعماء هذه الدول مهما بلغت حِدَّتُها، لا تنعكس على الشوارع الأميركية والكندية والفرنسية، بقدر ما تُشعِل تغريدة واحدة من سياسي لبناني حاقد على العهد، الشارع اللبناني، ويتفلَّت “الشارع الإفتراضي” على تغريدات متبادلة، وتؤدي الأمور أحياناً الى الشحن المذهبي والطائفي وصولاً الى النزول والعراك في “الشارع الواقعي”.
المشكلة أن أدوات إشعال الشوارع جاهزة، وهُم حفنة نواب أخرجتهم الإنتخابات النيابية، الى حفنة وزراء سوف تستبعدهم نتائج هذه الإنتخابات، الى نواب سابقين عائدين، يحملون في قلوبهم السوداء حقداً على عهدٍ لن يتمكنوا من النيل منه، ووسيلة “إثبات الوجود” و “نحن هنا” لديهم هي في توتير الجو العام، من منطلق “لم يعُد لدينا ما نخسره” طالما فخامة ميشال عون حليف حزب الله يتربَّع غصباً عنهم وعن مُشغِّليهم على كرسي بعبدا.
وزير الإعلام ملحم رياشي، الذي دعا وسائل الإعلام المرئية والمجلس الوطني للإعلام الى إجتماعٍ بهدف ضبط النفس عن الفلتان، هو نفسه الذي دعا عند تعيينه على رأس وزارة الإعلام الى تحويلها لوزارة تواصل، وهو نفسه الذي يُشارك بالتغريدات التي توتِّر الجو العام عبر “التويتر”، وإذا كان من السهل لملمة الأمور بين السياسيين الحاليين ودعوتهم الى النقاش داخل المؤسسات وبعيداً عن نشر الغسيل، كما حصل في موضوع “تعيين القناصل” حيث لعِب حزب الله دور الوسيط النزيه بين التيار الوطني الحر وحركة أمل لإمتصاص سلبيات الإنتخابات النيابية، وإذا كان من السهل “ضبضبة” تداعيات مرسوم التجنيس، وكذلك موضوع الخلاف بين وزراة الخارجية ومفوَّضية الأمم المتحدة حول دورها المشبوه برفض إعادة النازحين السوريين، فما الذي يضبط لسان من يُصوّبون على العهد من أشباه وزير الدولة لشؤون النازحين مُعين المرعبي؟
مُعين المرعبي وسواه من الذين يحلمون بهزيمة الأسد من لبنان عبر استخدام “كل أنواع الأسلحة”، بدءاً من تاريخهم في إمداد الإرهابيين بالعُدَّة والعديد والعتاد، وصولاً الى تشريع حدود لبنان أمام النزوح المُرعِب، ويُصرّ المرعبي أن لا مكان آمن في كل سوريا لعودة هؤلاء النازحين، ويُلاقيه من الطرف الآخر النائب نديم الجميِّل، يُضاف إليهما الكثيرون من الحاقدين السياسيين، فكيف يُمكن ضبط “حشر” هؤلاء أنفسهم بعمل المؤسسات الرسمية، خاصة أن رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري لا يستطيع الوقوف بوجه سياسة إعادة هؤلاء النازحين الى ديارهم، بدليل أن فخامة الرئيس عون أعفاه سابقاً من موضوع التواصل مع الحكومة السورية، وعيَّن اللواء عباس ابراهيم موفداً رئاسياً الى سوريا لحلّ مشكلتهم، وها هُم الثلاثة آلاف نازح ينتظرون الباصات في عرسال للعودة الى بلادهم بمساعٍ من اللواء ابراهيم.
ليس الخوف على الشارع اللبناني من الطبقة السياسية التي كرَّستها الإنتخابات النيابية، والقرار باستعادة هيبة الدولة والبدء ببناء هيكليتها المؤسساتية ومكافحة أوكار الفساد قد اتُّخذ، وهو بعُهدة فخامة الرئيس عون وسماحة السيد حسن نصرالله، وهذا ما يُطمئننا، لأننا بهاتين القامَتَين نحن مؤمنون ولكن، الخطر كل الخطر على الجو العام في البلاد، يبقى مع بعض المنبوذين من صناديق الإقتراع، ومن بعض من أعادهم القانون النسبي وظنَّ كلٌ منهم أنه قادرٌ على التشويش على الحُكم عبر المواقف والتصريحات والتغريدات الحاقدة، لكن يبقى الأمل بفخامة الرئيس أن يصرخ بهؤلاء، بإسم الدستور والميثاق ومُستلزمات الوفاق، أن يخرسُوا وتخرس كل البرامج السياسية التي تستضيفهم، وكفاهُم تغريدات مسمومة فالتة على “التويتر” لأن نهايتهم يجب أن تكون كما الأفاعي التي تنتحر بسمُومها، وحرامٌ استمرار تطبيق حريَّة التعبير عن الرأي متى لامست الأمور حدود الخطر على الجوّ الوطني العام، كي لا يطير الوطن على أجنحة “التويتر”…