عَ مدار الساعة


المطران الياس سليمان: بدنا سورية تكون بلد العدرا.. وبالجسد يكمن سرّ الخلاص الكوني لا بالروح.. (Audio)

– كونوا أبطالاً بأجسادكم كما المسيح على الصليب.. لو نحنا بالروح من دون جسد كانت خطيتنا بِتصير أبدية.. (التفاصيل)

***

عظة المطران الياس سليمان في دمشق – باب توما: (خميس الجسد 31 أيار 2018)

اخوتي بالمسيح يسوع، نحنا اليوم عَم نعيش أهم أعياد السنة. اللي هويّ خميس الجسد، كلنا سوا محكومين بالجسد، وقديه أحياناً مِنقول: شو عَم يعذبنا هالجسد…!!

لكن سرّ الجسد فيه يكمن سرّ الخلاص. لاحظنا في الرسالة من اعمال الرسل، حَنَنيا وسفيرة (1)، مين اللي جَبَرهم يبيعوا أملاكهم..!!

ما حدا… وكان فِيُن ما يبيعو شي.. ولا يكذبو عَ الله.. مِتل الأشخاص اللي بَدُّن يِعملو أعمال ظاهرة يوعدو الله فيها، وبالداخل يِعِملو عكسها.. هودي عَم يحكمو على حالُن، كأنو الله ما بيعرف شو في بضمائرنا..

الله لا يُستهان به، بِقول مار بولس (غلاطية 6: 7) : ما منِقدر نِكذب على الله.. ومار بطرس قلُّن: لماذا كذبتما على الله، على الروح القدس..!! ما حَدَن جَبَركم تبيعو أملاكن…؟ ميشان هيك بدنا نعيش 3 أشياء:

  • الحقيقة، لأن الله هو الحقيقة المطلقة
  • الحب، لأن الله هو الحب المطلق، كما يقول القديس يوحنا برسالته لأولى: الله محبة، وأهم ما يمكن نتصوره هو عناق الحقيقة والحب.
  • التواضع، الشخص المتواضع، الله ينحني له، كما نقول بالعامية، الأرض الواطية تشرب مَيِّتها ومَيَّة غيرها.. والإنسان المتواضع يستدرّ نِعم الرب، والله ينحني قدام تلاميذو.. وشو بَدنا أكبر من هيك تواضع…

وسبب إنكسارنا الجسد…
وسبب سمونا الجسد…

ونحنا منَعرف إنو كان في تيار فلسفي أفلاطوني (عند اليونان) بِقول: إنّو الخلاص يتمّ في الروح فقط، وفي نبذ الجسد، ولكن كنّا أشقى الناس على الإطلاق لو ما كنّا بالجسد…!

ليه..؟

إذا رجعنا للإنجيل، يقول: لو كنتم من العالم ، لكان العالم يحبّ من هو له. ليه؟؟ لأنو يسيطر عليه.. نحن لسنا من العالم، ولكن نحن في العالم. نحن من السماء، وصاحب السلطة علينا هو المسيح والآب السماوي، والروح القدس. ونحن أبناء العذراء على اقدام الصليب، وقت يسوع بِقلها: هذا إبنُكِ عن التلميذ الحبيب، اللي ما إلو إسم، حتى يكون كل واحد منّا هالإسم.. (وهوي يوحنا)…

وقلّو ليوحنا: هذه أمّك…!! وصارت أمنا العذراء أمنا كلنا سوا في التاريخ، وفي الكنيسة، وفي حياتنا الشخصية والعائلية، لأنّو امنا العذرا هيّي قدوتنا..

ماذا أعطت لله العذراء..؟؟؟

الجسد.. الوحيد اللأي عطا لله شي..؟؟؟ مريم…

عَطِت لله الطبيعة البشرية، وهالطبيعة اللي اخدها الله من جسدها الطاهر. حتى تكون طبيعة طاهرة ونقية، وما فيها أي دنس، ولا أي عيب. ومن هَيك بآخر الذبيحة الإلهية رَح نِعمل زياح العدرا والقربان (الجسد). لأنّو موحديّن مع بعضُن.. الإنتماء الإلهي للجسد البشري من مريم، حتى يخلصنا يسوع في الجسد، على الصليب يسوع الإنسان خلصنا…

إذن نحن لسنا من العالم، نحن في العالم، لنشهد أمام العالم، بأننا بجسدنا منتمين الى العالم، حتى نخلّي العالم يقوده الى الروح.. بَدنا نِمشي بقيادة الروح صوب السماء..

شو مميزات الجسد..؟ 

الجسد يكبر وينمو.. الجسد يتغيّر… الجسد مُمكن يكون شخص عَم يعمل خطايا كبيري ويتوب، ويرجع يغيّر.. لو بس بالروح ما في يغيّر…؟؟ من هيك الله أخد جسد حتى يقدر يصير ويتغيّر. ويعطينا الخلاص من جسدنا. وبجسدنا ننتمي الى الكون، الى المادة الكونية، اللي أخدنا منها الخبز والخمر، حتى تصير جسد المسيح ودمّو…

إذن كل الخليقة مشتركة بجسدنا، ومين في يعيش بلا أكل وبلا شرب.. وهالطعام اللي عَم ناخدو من المادة عَم يكوّن جسدنا، وإذا قدسنا جسدنا عَم نخلّص العالم، وما بولس يقول بالرسالة الى أهل رومة 8: 19.. الخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله.

ليه؟؟

لأنو البشر بس يتقدسون كأبناء لله بالإبن الوحيد، الخليقة اللي مشتركة بجَسدُن تتقدّس وتعود لتتصالح مع الله، بعد ما الإنسان بخطيئته فصلها عن الله.

إذن نحنا عنّا مسؤولية خلاص كونية، ووقت نقدّس أجسادنا ، نقدّس الكون. ووقت ندنّس جسدنا ندنّس الكون، وفصلناه عن الله. 

ليه المسيح عطانا مثل، القمح والزؤان، وقلُّن: ما بتِقلعو الزؤان الاّ لبعد الحصاد. يِمكن الزؤان تِقلُب وتصير قَمحة. ونحنا من خطأة قد نصير صالحين بالتوبة. القديس اغسطينوس، كان خاطئ كبير، بصلاة امّو تحوّل وصار قديس. ولو كان فقط بالروح بدون جسد، ما قِدِر يِقلب هالقلبة هيدي..

الجسد يسمح لنا يتغيّر.. الجسد يسمح لنا أن نكبر.. الجسد يسمح لنا أن نتحوّل من حالة الى حالة.. وهذه النعمة أراد يسوع إنّو يعيشها معنا، حتى ياخود منّا ثمار الخطيئة، ويصبّ بأجسادنا لاهوته، حتى يقدّس أجسادنا وتكون بوفاق وانسجام مع النفس والروح. والروح تقودهم كلهم سوا على طريق الملكوت.

إذن الإنسان عندو رسالة أكبر بكثير ممّا يتصورّه ، الخلاص الكوني مرتبط بالجسد، ولو نعرف أهمية الجسد، كنّا كل يوم نركع ونشكر الله عليه. ونقول له يا رب، لو نحنا بالروح من دون جسد كانت خطيتنا بِتصير أبدية.

بالجسد نقدر أن نغيّر، لأنو الروح يستيقظ ولا ينمو، أمّا الجسد ينمو، ويتبدّل، ويتغيّر ويشترك بقداسته بتقديس الكون، للمصالحة بالجسد ما بين المادة والروح.

إذا جسدي قاد روحي بالخطيئة، الروح لا تتدنّس، ولكنها اسيرة الخطيئة، وتعيش بشقاء الغربة عن طبيعتها، أمّا الجسد فعندما تقوده الروح يتأقلم، ويقدر ان يعبر من تراب للسير على درب الحياة الأبدية. يسوع قام بالجسد، خلصنّا بالجسد ، نؤمن بقيامة الأجساد. من هيك في سرّ الجسد، يمكن سرّ الخلاص. ويسوع بجسده عطانا الخبز والخمر، القداس. حتى أخدنا المادة الكونية. أحلّ فيها لاهوته، حتى بس نتناولها نكون قد تناولنا اللاهوت، ومِنصير آلهة. ونصير بيت قربان متجوّل. ومِنصير حاملين يسوع، ورايحين للعالم، حتى نجيب العالم ليسوع.

العدرا عندا دور كتير كبير، بالنَعَم اللي قالتها، حتى الله يدخل بالجسد، ويِعمل إختبارنا بالنمو والتحوّل، ويحوّل المادة الكونية الى مادة خلاصية، وصار القداس على الكون متِل ما بقِلنا “تيلار ده شاردين”.

القداس على الكون هو قربانة تمثّل المادة (الكونية) اللي عَم تصير جسد المسيح. والخمر اللي عَم ياخود الكرمة المباركة، حتى تصير دم المسيح، وبالتالي صار الخلاص شامل من قبل المسيح، علينا نحنا تجسيده بقداستنا الشخصية، وبتضامننا مع بعض ، وبفرحنا وعيشنا للحب بلا نهاية..

والصغار اللي هون الذين يحملون شمع منذ صغرهم، عندما يكبرون وهم قريبين من المذبح، وأنقياء بأجسادهم ، وعندما الروح تقود الجسد، يكونون أمل الكنيسة… باتجاه القداسة، وبلدنا (سورية) كلّو سوا يكون بلد قديسين، بدنا ياه يكون عَيلة العدرا، وبدنا ياه يكون مادة كونية اللي بدها تحمل الله للعالم…

من هون إنطلق مار بولس. ومن هون كان حَننيا تلميذ يسوع (غير حننيا وسفيرة)، هوّي اللي عمّد مار بولس، وفتّحلو عينيه، وعلمّو، وعطاه الإفخارستيا جسد المسيح. ومن هون انطلق يوحنا الدمشقي، من هالدمشق انطلق. وكان إبن سرجون. ومن هون كان إسما الكنيسة المسيحيين في انطاكيا في سورية. وفينا نِرفع راسنا أحبائي. وبنفس الوقت عنّا مسؤولية ، بدنا نحمل هالإرث المقدّس ، إرث الشهداء المسابكيين شفعائنا. وشفعاء تكريسنا، وفي الصليب على المذبح بنصّو ذخيرة الشهداء المسابكيين، من عضامهم.

لنفتخر ونرفع رأسنا، إنّو من بيناتنا في قديسين.. ونحنا شو بدنا نصير غير قديسين.. والله يقدسكم ون شاء الله القداسة تكون رفيقنا اليومي ، وما منِقدر نكون قديسين الاّ إذا حبينا يسوع..

بدنا نقلّو : بحبك يا يسوع. بحبّك يا يسوع. بحبّك يا يسوع. من الآن والى الأبد آمين.

***

(1) القصة: رجل اسمه حنانيا، وامراته سفيرة، باع ملكاً، واختلس من الثمن، وامرأته لها خبر ذلك، واتى بجزء ووضعه عند ارجل الرسل. فقال بطرس: «ياحنانيا، لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل؟  اليس وهو باق كان يبقى لك؟ ولما بيع، الم يكن في سلطانك؟ فما بالك وضعت في قلبك هذا الامر؟ انت لم تكذب على الناس بل على الله». فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات. وصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك. فنهض الاحداث ولفوه وحملوه خارجا ودفنوه.

ثم حدث بعد مدة نحو ثلاث ساعات، ان امراته دخلت، وليس لها خبر ما جرى. فاجابها بطرس:«قولي لي: ابهذا المقدار بعتما الحقل؟» فقالت:«نعم، بهذا المقدار». فقال لها بطرس:«ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب؟ هوذا ارجل الذين دفنوا رجلك على الباب، وسيحملونك خارجا». فوقعت في الحال عند رجليه وماتت…

(2) الشهداء الموارنة المسابكيين: كانوا معروفين بتقواهم ووفرة غناهم وكرم اخلاقهم وحسن معاملتهم وعطفهم على الفقراء والمحتاجين. وبعام 1860، لجأ شهداؤنا، مع عدد كبير من المسيحيين، الى دير الرهبان الفرنسيسكان في دمشق، عندما اضرم النار في حيّ المسيحيين فدخل اللاجئون مع الرهبان الى الكنيسة يصلون واعترفوا وتناولوا.

وظل فرنسيس وحده في الكنيسة، جاثياً امام تمثال الام الحزينة، يصلي، رابط الجأش. وبعد نصف الليل دخل الدير عنوة، جمهور من الرعاع (ارهابيين)، مدججين بالسلاح. فذعر اللاجئون ولاذ بعضهم بالفرار واختبأ البعض. وهرع الباقون الى الكنيسة ليحتموا بها. فأخذ اولئك الرعاع يصرخون:” أين فرنسيس مسابكي؟ اننا نطلب فرنسيس”. فدنا فرنسيس منهم، غير هياب، قائلاً لهم:” انا فرنسيس مسابكي ماذا تطلبون؟” فأجابوه: جئنا ننقذك وذويك بشرط ان تجحدوا الدين المسيحي والا فانكم تهلكون جميعكم. فأجابهم فرنسيس:” اننا مسيحيون وعلى دين المسيح نموت. اننا نحن معشر المسيحيين لا نخاف الذين يقتلون الجسد، كما قال الرب يسوع”.

ثم التفت الى أخوَيه وقال لهما:” تشجعا واثبتا في الايمان، لان اكليل الظفر معد في السماء لمن يثبت الى المنتهى”. فأعلَنا، فوراً، ايمانهما بالرب يسوع بهذه الكلمات:” اننا مسيحيون ونريد ان نحيا ونموت مسيحيين”.

فانهال المضطهدون، اذ ذاك عليهم، بالضرب بعصيهم وخناجرهم وفؤوسهم، فأسلموا ارواحهم الطاهرة بيد الله، مؤثرين الموت على الكفر فنالوا اكليل الشهادة. وكان ذلك في اليوم العاشر من تموز من السنة المذكورة آنفاً ومعهم ثمانية رهبان. وقد اعلن البابا بيوس 11 تطويبهم في اليوم العاشر من ت1 سنة 1926. صلاتهم تكون معنا. آمين

رصد Agoraleaks.com