– لأهل “العنتريات الفيسبوكية”، إرحموا أنفسكم والوطن ( أمين أبوراشد )
***
ناشط لبناني مؤثِّر وفاعل على مواقع التواصل، لديه عشرات الآلاف من المُتابعين المُهتمِّين بالسلع الإلكترونية التي يُروِّج لها، ويُحقق مبيعات للشركات التي تستفيد من صفحته للإعلان والتسويق، بالنظر الى خبرته بشرح المواصفات التقنية وتقديم النصائح للراغبين باقتناء كل ما هو جديد في عالم الإلكترونيات.
هذا الناشط، أعلن أنه قرر أخذ فترة من الراحة، وأقفل حسابه مؤقتاً على موقع الفيسبوك، واكتفى حالياً بالإنستغرام نتيجة الأجواء المسمومة السائدة بين مستخدمي الفيسبوك والتويتر في لبنان، منذ ما قبل الإنتخابات النيابية وخلالها وبعدها، وقال حرفياً: لم أعُد أحتمل ما أقرأ من كلام مُبتذل وسُباب وشتائم بين أصدقائي، رغم أني شخصياً لست معنياً بهذه الأمور.
هو نفسه هذا الناشط، تأثر حجم مُتابعي صفحته من أصدقائه الخليجيين، في بدايات الأزمة الحاصلة بين السعودية وقطر، لدرجة أن الناشطين في كلتا الدولتين إنشغلوا عن صفحته بما هو أهمّ، وتداعوا عبر مدوِّناتهم النَّارِيَّة الى الإنتقام من ضيوف الدولة الأخرى على أرضهم، ووصلت المدوِّنات المُتشنِّجة الى الدعوات الصريحة بتحطيم كل سيارة تحمل لوحة قطرية في السعودية وبالعكس، وكذلك قتل الحيوانات الأليفة التي تقتنيها عائلات من الدولة “المُعادية”!
يُتابع هذا الناشط ونُتابع معه مع تسجيل ملاحظة مشتركة، أن المستوى العلمي والثقافي لمن يستخدمون الإبتذال الكلامي في مدوِّناتهم هو مُتدَنٍّ الى درجة الأمِّية من خلال الأخطاء اللغوية والإملائية، وأن مدوِّنات المثقفين وحمَلَة الشهادات الجامعية الذين لديهم مُداخلات هادئة وراقية ومُعتدلة، يعجز اعتدالها عن لجم “سوق عُكاظ” المُتشاتمين، فينكفىء المثقفون ترفُّعاً وخجلاً وتخلو ساحة المواقع لهواة التناحُر والإنتحار المجاني إنسانياً وأخلاقياً.
بعض السياسيين في لبنان، باتوا يُمارسون السياسة عبر التويتر وسواه من وسائل التواصل، ويعتمدون قاموس أدبياتٍ فريدٍ من نوعه، ويعتبرون رمي الحرام على الخصم كلام سياسي، والقدح والذمّ به لهجة حماوة إنتخابية مُبرَّرة، والتجريح به سياسياً وطائفياً ومذهبياً وسيلة دفاع إستباقي من باب “يا غيرة الدين”، ثم يلتقي الخصم بالخصم في مناسبة إجتماعية أو على مأدبة إفطارٍ رمضاني ويُعلنان طيّ صفحة التلاسُن، والأغبياء من مُناصري الطرفين يفطرون على بعضهم نهشاً عبر أثير مواقع التواصل أو في الشارع، ويتعاركون ويتضاربون ويسقط جرحى، لا بل سقط قتيل على خلفية فيديو مُسرَّب لأحد السياسيين يتهكَّم على خصمه الذي ينتمي لبيئته مناطقياً ومذهبياً، ولا نستبعد سقوط المزيد من القتلى والجرحى، طالما اختار الزعماء لغة “الفحيح” الأكثر سُمِّية من بخّ الأفاعي.
ولأننا انتقلنا ألان من مرحلة الإنتخابات النيابية التي خرجت منها بعض الكُتل “منفوخة” الى ساحة التشكيلات الحكومية، استمر “نشر الغسيل على سطوح بيروت” مع استعراض القوى لعضلاتها على مواقع التواصل بمشاركة المناصرين، الى درجة أن توزيع الوزارات السيادية بات متداولاً على مستويات من هُم عبيد لأسيادهم ولا يفقهون أي معنى للسيادة الوطنية.
وفي غياب أي دور رقابي على الإعلام ومن ضمنه الإلكتروني، وطالما أن وزير الإعلام الذي شاء تغيير إسم وزارته الى وزارة التواصل في بدايات ولايته، بات اليوم في زمن تصريف الأعمال شريكاً في في تسويق “الإعلام المُلتهِب” الذي يُشعِل “فرقة حسب الله” من المناصرين، فإننا نلجأ الى وسائل الإعلام الراقية في لبنان، والى خطاب الشخصيات الوطنية الكبيرة وأهل الأدبيات الأخلاقية الرفيعة، ونقول لأهل “العنتريات الفيسبوكية”، إرحموا أنفسكم وارحموا الوطن، وارحمونا من المستويات الشوارعية الهابطة في التخاطب، لأن مواقع التواصل هي لخدمتكم كي تتواصلوا وتتحاوروا بهدف تنمية العلاقات الإنسانية وتفعيل القدرات الثقافية، وإذا كانت مواقع التواصل ساحة حوار، فبئس ساحةٍ يهجرها من يمتلكون الثقافة الحوارية لبناء وطن، وتخلو الساحة للجَهَلة وأبناء الزواريب..