لا يهزم اسرائيل سوى النموذج اللبناني القائم على التعددية الثقافية -نسيم بو سمرا
***
نربأ بالمثقفين الانزلاق الى سجالات عقيمة حول عمل ثقافي او فنيّ ما، وبخاصة اذا كان هذا العمل ناجحا ومبدعا، مثل مسألة نيل المخرجة نادين لبكي جائزة في مهرجان “كان” السينمائي عن فيلمها “كفرناحوم”، فهذه الاعمال بغض النظر عن مضمونها تخلق طاقة ايجابية في المجتمع اللبناني، نحن بأمس الحاجة اليها في ظل اصرار بعض الجهات الداخلية على خدمة مشاريع خارجية، تترجم من خلال عرقلة كل تقارب بين اللبنانيين وتمزيق النسيج الوطني بواسطة قضايا خلافية لا تعتبر جوهرية في تكوين المجتمعات، وهنا طبعا ليس المقصود من يعطي رأيا في الاعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بقضية معينة، لأن مبدأ الراي والرأي الاخر هو سمة المجتمع المنفتح، ويحق لأي كان ابداء الرأي، ولكن في معظم الاحيان تستغل بعض الوجوه البارزة، لخلق شرخ في مجتمعنا، بغض النظر عن جوهرية القضية المطروحة او سطحيتها، في حين لم نتوصل بعد في لبنان الى الفصل بين الاساسيات التي تبنى عليها منظومة القيم المجتمعية والتي لا يمكن اعادة النظر بها لأنها ثابتة، وكل تغيير على هذا المستوى، سيؤدي الى انهيار دعائم المجتمع الذي اخذ شكله الراهن نتيجة تراكمات عمرها مئات وربما آلاف السنين، نتج جراءه عقد اجتماعي، أدى الى اعطاء سمة للبنان تميزه عن باقي الدول في المنطقة.
إن ما يحدث من وقت لآخر من سجالات بين السياسيين او بين النخب المجتمعية وينساق وراءه الرأي العام، ناتج عن غياب توجيه وطني وتغييب التربية الوطنية التي تبدأ في البيت ومن ثم المدرسة، في حين ان غياب كتاب تاريخ موحد يساهم في عدم توحيد الرؤى على المستوى الوطني، اما بالعودة الى المسألة المطروحة التي حولتها تعليقات الإعلامية في قناة المنار، الزميلة منار صباغ والنائب نواف الموسوي، الى قضية، في موقف مستغرب انتقدا فيه ردة الفعل الإيجابية التي أبداها اللبنانيون حيال نيل نادين لبكي الجائزة العالمية عن فيلمها، ما أدى إلى سجالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين ان الجائزة هذه نالها لبنان، الذي كرم في المهرجان، الشعب اللبناني على ابداعه، في حين ان الاختلاف الثقافي في لبنان، والخصوصيات المجتمعية فيه، مصدر غنى له، و لا تحول، كما يسوق العدو الاسرائيلي في العالم، دون بناء مجتمع متماسك قوي وبخاصة ان لبنان هو نقيض الكيان الاسرائيلي العنصري والاحادي، ولا يهزم اسرائيل على المدى الطويل سوى هذا النموذج اللبناني القائم على التعددية الثقافية وتفاعل الحضارات على ارضه منذ آلاف السنين، ويعرف كيف توفق شرائحه بين الحفاظ على خصوصياتها والانسجام في بوتقة واحدة من القيم المشتركة.
في المحصلة يقوم دور المثففين والبارزين في المجتمع على حماية منظومة القيم في مجتمعنا بدل التشكيك بالمسلمات التي ارتضينا جميعا بها للحفاظ على لبنان الوطن.
اما حزب الله فأنهي السجالات بشأن فيلم نادين لبكي وقد أصدر امس توجيهاً للناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي جاء فيه:
“الاخوة الناشطون الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في قضية التغريدات التي أحدثت جدلًا على وسائل التواصل الاجتماعي يهمّنا توضيح ما يلي:
أولًا: التغريدات تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر عن رأي حزب الله. ولا يوجد أي توجيه أو موقف من حزب الله لجمهوره بتأييد أو معارضة هذا الموضوع. لذا نعتبر أنّ إقحام حزب الله في هذا الموضوع ليس في محله.
ثانيًا: شهداء المقاومة هم شهداء كل الوطن ومفخرة كل الوطن وبالتالي نأمل عدم اقحام الشهداء في سجالات تفصيلية.
ثالثًا: حزب الله وبيئته لم يكونا يومًا ضد الفن الهادف والموضوعات الفنية. والنقد أو الاعتراض على عمل معين دون مشاهدته ليست من قيم حزب الله ومبادئه.
لذلك نأمل عدم المضي في هذه السجالات والنقاشات ونتمنى من جميع الناشطين إيقاف التجاذب حول الموضوع وحدف كل التغريدات والمنشورات والتعليقات حول الموضوع مهما كانت
أخيراً شهر رمضان شهر الرحمة والغفران فلنكثر من الدعاء لمقاومتنا ومجاهدينا
تقبل الله أعمالكم”.