– التحالف في لبنان من منطلق طائفي لا يخدم المسيحيين ( أمين أبوراشد )
***
هذه المهزلة التي كانت نكتة الموسم، جاء موسم الإنتخابات لينسِفها من أساساتها، ونحن هنا لا نُحمِّل قيادتيّ القوات والتيار الوطني الحرّ مسؤولية نهاية “الأخوَّة بالمُتعة” التي انتهت بالبُطلان والهجر والطلاق، بل نحمِّلهما مسؤولية إعلان هذه الأخوَّة دون العودة الى القواعد الشعبية وجسّ نبضها على الأقل، لأن الغالبية الساحقة من قواعد الطرفين لا تُريدها، وهذا لا يعني خصومة الى حدود العداوة، لكن لكلٍّ من الفريقين نظرته حتى في الأمور الإستراتيحية المرتبطة بسلامة الوجود المسيحي في هذا الشرق.
كان يجب على الرؤيويين من الطرفين إدراك أن هذه العلاقة هي زواجٌ بالإكراه، لأن تجربة المُفكِّر المسيحي أنطون سعادة في الإنفتاح على الآخر عبر تأسيس الحزب السوري القومي الإجتماعي كانت هي الأنجح في التاريخ المعاصر، رغم أن هذا الشرق التكفيري لا يستحق الرُقيّ الإنساني والفكر العلماني والثورة النهضوية بقيادة شخصية تاريخية مسيحية مشرقية مثل أنطون سعادة، الذي أقبل على الآخر يحتضنه تحت رايةٍ قوميةٍ جامعة وموحِّدة بمواجهة غربٍ متغطرس، آخر ما في حساباته سلامة الوجود المسيحي.
ولأن سلامة الوجود المسيحي ضمن أكثرية إسلامية هو المُنطلق لتأسيس أي تحالف سياسي مسيحي في لبنان، فإن تحالف التيار الوطني الحر مع حزب الله هو تحالف عقلاني بعيد المدى من منطلق أن المسيحي كما الشيعي هما من الأقليات في هذا الشرق، ولا يُهددهما السُني العروبي، بقدر ما أن التهديد آتٍ من إرهابٍ تكفيري تدعمه أنظمة مُستعربة حاضنة ومُمَوِّلة للجماعات الشيطانية التي تُكفِّر المسيحي والمسلم على حدٍّ سواء، إنطلاقاُ من فكر محمد بن عبد الوهَّاب الذي تنتهجه السعودية ووصولاُ الى الأخوان المسلمين الذي قامت حركتهم على هدف إعادة إحياء دولة الخلافة الإسلامية بعد انهيار السلطنة العثمانية التي نكَّلت بالمسيحيين أكثر مما نكَّل المماليك.
وإذا كان فريق مسيحي محسوب على إيران في لبنان نتيجة تحالفه مع حزب الله، الذي يُعتبر حامياً وضامناً للسيادة اللبنانية وحاضناً للآخر، وفريق محسوب على المملكة السعودية لا بل بات إبنها المُدلَّل لمجرَّد أنه يُخاصم حزب الله، فلنرتحل الى إيران حيث حق المواطنة يشمل المسيحي كما المسلم فيها، وحيث احترام شعائر المسيحيين وفرش كنائسهم بالسجّاد العجمي وزيارة كبار القادة الإيرانيين لهم بمناسبة أعيادهم، ولنرتحل أيضاُ الى السعودية حيث المسيحي مُحرَّمَةٌ عليه الصلاة حتى داخل بيته، ولنُقارن بين الواقِعين، ونترك الحُكم لمن يقرأون التاريخ على حقيقته.
المسألة الأخيرة والأهمّ، أن التحالف في لبنان من منطلق طائفي على مستوى المسيحيين ليس لخدمتهم، وإنقسامهم السياسي هو الأضمن لهم، حتى ولو غدوا بالنسبة للبعض كما وصَّفهم البطريرك الراعي يوم كان مطراناً على جبيل، أنهم باتوا مسيحيين شيعة أو مسيحيين سُنَّة، في إشارةٍ الى انقسامهم السياسي، وهذا الإنقسام دليل وعي ثقافي لديهم بعيداُ عن التقوقع الطائفي الذي يضعهم في دائرة الخطر والإستهداف من جهة، ومن جهة أخرى، ثبُت بالقرائن والحقائق على الأرض أن القاعدة الشعبية للفريقين المَسِيحيَّين الرئيسِيَّين (التيار والقوات) ليست مُتجانسة، وبإمكانهم كمسيحيين اللقاء في الكنيسة، وأن يتلاقوا خارجها في ساحة الوطن مع مَن يلتقون معه سياسياً، وكفانا كذباً وتكاذباً من أجلِ أخوَّة مسيحية غير مطلوبة لا اليوم ولا في المستقبل…