–قليل من الرشد والهدوء.
***
الزعامة لا تُورَّث وباسيل مستحقّ بشرف…
لم يرث ميشال عون الزعامة ولا هو سليل عائلة تقليدية حكمت او شاركت في تكوين السلطة في لبنان. وهذه العائلات الإقطاعية أسبغ عليها العثمانيون ألقاب البيك والشيخ وكلّفوها إدارة شؤون الناس وتحصيل الضرائب منهم. وكان السكان يعملون في الاراضي المملوكة تحت الطاعة … والسخرة. ومع عهد الانتداب الفرنسي، شاركت هذه العائلات وأخرى مقتدرة في بناء لبنان الاستقلال مع بعض الخروقات الطفيفة من خارج النادي السياسي الا ان ظهور ميشال عون في العام ١٩٨٩ كقائد للجيش وكرئيس لحكومة انتقالية أربك اللاعبين التقليديين الذين تكتّلوا مع الاحتلال السوري ضده مسببين نفيه ١٥ عاماً.
في ٧ أيار من العام ٢٠٠٥، لم تكن عودة العماد عون مقبولة للطبقة التقليدية نفسها. حاولت تأخير عودته الى ما بعد الانتخابات النيابية في ذلك الحين وفشلت حتى أطاح بها تسونامي البرتقالي مثبتاً زعامة العماد ميشال عون بأكثرية عند المسيحيين.
وفِي العام ٢٠٠٩، تطويق متكرّر من القوى السياسية إياها والنتيجة نفسها. شعب يُؤْمِن بقائده يوليه الثقة مجدداً مثبتاً ان الزعامة هي محبة الناس وليست كرسي الوجاهة والعباءة المستوردة لشرعية خارجية. وهذا ما كان يراهن عليه الرئيس عون دوماً شعب عظيم لا يعرف الانكسار ولا يخاف، انه الشعب الذي لم يخذله يوماً وأوصله الى الموقع الأول في الدولة.
وفِي العام ٢٠١٧، جاءت ولادة “العهد” على وقع خيانة من ظنّ وجاهر انه صديقه الصدوق وبمثابة ابن له. وظنّ كثيرون ان “بي الكل” سيفشل بفعل إعلان النبيه معارضته له من داخل النظام ما يعني عرقلة وإيقاف مشاريع وتواقيع مراسيم حتى جاءت أزمة الحريري باعتقاد واهم ان التسوية الرئاسية التي هندسها الوزير جبران باسيل مع قيادة “المستقبل” قد سقطت.
خالف “العهد” توقعات الخارج والداخل بسلوك وطني صرف وبإدارة حكيمة أعادت رئيس الحكومة سعد الحريري الى وطنه وناسه وموقعه ودوره. ولَم يكن الرجوع عن استقالته مفهوماً عند البعض الذي اعتقد ان الحريري سينتهي وسينتهي معه التيار الوطني في استعادة الحقوق والشراكة. فكان لا بدّ من التصويب على حلقة الحل والربط وعلى صلة الوصل في تدوير الزوايا انه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل.
باسيل هو ابن الحالة النضالية اللبنانية ومن شباب التيار الوطني الحر الذي تعمّد دوره شهادة للحقيقة والتزاماً بالقضية وهندس التفاهمات الوطنية مستحقاً بشرف رئاسة أكبر الأحزاب في لبنان حتى بات التيار معه منظّماً والحضور المسيحي في الدولة مؤمناً والتوازن الميثاقي محققاً. وعليه باسيل شخص مزعج لا يُطاق لأنه يضرب المحاصصات والصفقات والتلزيمات والعمولات ويكشف الاكاذيب والخزعبلات، فلا بدّ من تشويه صورته وحياكة المؤامرات من حوله تارة هو متواطئ ضد المقاومة وطوراً يريد السلام مع اسرائيل ومرات ومرات هو فاسد لأنه لم يقبض رشوة من شركات التنقيب على النفط ونشاطه لا يُحتمل لأنه لم يترك لبناني في بلاد الانتشار الا وزاره حتى أمن له حقوقه المهدورة في جنسيته وحقه الانتخابي … فصوب هؤلاء سهام الكره للرجل لأنه كشفهم وفضح مراهقتهم وغايتهم الرخيصة في تبوء الكرسي … والسلام!
ومن أجل حل العقدة النفسية، كان يجب على جبران باسيل يوم تعرّف على كريمة الرئيس شانتال ان يُحرم وإياها من حقوقهما المدنية والسياسية ويوقّع على تعهّد بالامتناع عن ممارسة الشأن العام على شاكلة ما كانت تقوم به المخابرات السورية، وكان يجب أن يُحرم ايضاً من أي فرصة في الحياة إكراماً لصاحب الزعامة بالوراثة ابن البيك او الشيخ أو ولي العهد!
لذلك ان النصيحة ب”جمل” كما يقال عند العرب التي أعطيت الى “بي الكل” كي يتحوّل الى ديكتاتور يقضي على عائلته أولا إكراماً لمن تبقى من إقطاع ويدفن أحلام الدولة القوية على جنون عظمة المناصب لدى البعض لكنها ستكون دوماً صعبة المنال. فيا طالب الشيء قبل أوانه عوقبتَ بحرمانه… فقليل من الرشد والهدوء!
د. علا بطرس
المصدر: tayyar.org