– كل شاب “عطلجي” جاهزٌ والمرشَّح “الدَّفيع” أشهر من نار عَ “جمرة الأرغيلة” (أمين أبو راشد)
***
عند أحد الحلّاقين في المتن، طرح أحدهم سؤالاً على أحد معارفه، “بتشتغل مندوب” مع (…)؟ فأجابه أنه ارتبط مع مرشَّح آخر على لائحة مُنافِسة. ويبدو أن عمل المندوب ولو لفترة شهرٍ واحدٍ، مهنة لا بأس بها، سيما وأن البطالة التي يشهدها لبنان والتي تجاوزت الثلاثين بالمئة، تدفع بالعاطلين عن العمل على الأقل الى اقتناص الفرصة، والإنضواء تحت لواء هذا المرشَّح أو ذاك، ولو أن الأسعار تتفاوت طبقاً للإمكانيات المادية، سيما وأن المندوب المُستأجر لا يُكلَّف بمهام أساسية ضمن الماكينة الإنتخابية، وهو قبل استحقاق 6 أيار ليس أكثر من “صبي دليفري”، وعمله الأساسي هو في يوم الإنتخاب، سواء كان مندوباً ثابتاً أو متجولاً.
ومهما كان الطلب على المندوبين المدفوعيّ الأجر، يبقى العرض أكبر بكثير، خاصة أن مُرتادِي مقاهي “الأراغيل” ليس لديهم من مادة للحديث على وقع “الكركرة” سوى موضوع الإنتخابات، ومورد الرزق الآني يجب السعي إليه لقطافه الآن، ومهما كانت حاجة المُرشَّحين الى مندوبين مأجورين، فإن كل شاب “عطلجي” جاهزٌ للعمل، شرط أن يأمن على نفسه أنه سوف يقبض بدل أتعابه، سيما وأن المًرشَّح “الدَّفيع” معروف، والمُراوغ في الدفع أشهر من نار على “جمرة الأرغيلة”.
المتطوِّعون الحزبيون مُلتزمون بالواجب الحزبي ضمن الماكينات الإنتخابية، بعضهم يُقدِّمون خدماتهم دون أي مقبل، والبعض الآخر يتمّ “دعمه” ببطاقات تشريج وبونات بنزين، لكن وجود وفرة من المُرشَّحين المُستقلِّين أوجب وجود نوعية من المندوبين تبحث عن لقمة عيش تأتيهم كما “الإعاشة” ومصدرها غير ذات أهمية لأنهم يريدون أكل العنب ولا شأن لهم بالناطور.
هكذا نوعية من “المندوبين” هي عبارة عن مجموعة أزلام برسم الإيجار، والمستوى الثقافي والإجتماعي وحتى الأخلاقي، ليس رفيعاً للترفُّع عن لُغة الشارع، وكأن هذا الشارع المشحون عند كل استحقاق مطلبي أو معيشي كانت تنقصه هذه الإنتخابات، سيما وأن خطابات المُزايدات الحامية بين المُرشَّحين تبلغ أحياناً كثيرة حدود التجريح، وتنعكس بالتالي على حماوة في الرأس لدى “فريق المندوبين”، الجاهز دائماً لأن يكون فوج تدخُّل شوارعي، للإعتراض على زيارة مرشَّح خصم، وصولاً الى اعتراض موكبه وانتهاء بعض الأحيان بحفلات التضارب.
وفي أجواء إنتخابية تشهد شراهة للسلطة، حيث يتنافس المُرشَّح وإبنه في عكار، والعديل وعديله في كسروان، والإبن والصهر في المتن وأبناء العم أو الأقارب من مختلف الدرجات في مناطق أخرى، فإن سقوط المحرَّمات لدى “الكبار” تُحلِّل سقوطها لدى العاملين لديهم، سيما وأن مستوى هؤلاء العاملين لا يتعدَّى درجة أزلام بالإيجار وبلطجية شوارع، وكل ما يعنيهم من هذا الإستحقاق الوطني، مئة أو مئتان أو ثلاثمئة دولار أميركي، والسقف الأعلى “ثلاثة بألف”، طالما أن المرشَّحين أنفسهم على وِفرَتهم باتوا كما الفجل على بسطات الخضار، والمندوبون ليسوا أغلى من مُشغِّليهم، وأسعارهم “بيعة مسا والثلاثة بألف”…