عَ مدار الساعة


آلام المسيح الثانية، والصراع بين عدالة الله ورحمته.. “الحب ذبيحة وقرباناً مقرباً”.. (آنا كاثرين إيميريخ)

– عن جحود البشر وصيحات يسوع وإرتعاب التلاميذ الثلاثة.. وعن إبليس كاره التكفير ليحجب رحمة الله..

***

من رؤى القديسة “إيميريخ” عن آلام سيدنا يسوع المسيح: (نقلاً عن كتاب آنا كاثرين إيميريخ – الرؤى – الجزء 3)

الجزء الرابع – الفصل الثالث – التكفير عن خطايانا – جحود البشر

عاد يسوع الى المغارة، والألم لا يزال يعتريه، سجد على الأرض، ومدّ وذراعيه وصلّى لأبيه السماوي. حينها بدأت الآلام الثانية، ودامت حوالي ثلاث أرباع الساعة.

جاءت ملائكة لتُظهر له في سلسلة من الرؤى، كل العذابات التي سيتحملها تكفيراً عن خطايا العالم. فأرته كم كان الإنسان جميلاً، وهو على صورة الله، قبل السقوط، وكم تشوّه وتغيّر نتيجة للخطيئة. كما أرته مصدر الخطايا كلّها في الخطيئة الأولى، والشهوة ومعناها، وتأثيرها الرهيب على النفس والجسد؛ أرته الملائكة أولاً، إرضاءً للعدالة الإلهية من خلال آلامه، عذابات النفس والجسد بما فيها عقاب الله من أجل التكفير عن شهوة كلّ البشر؛ وثانياً العذابات التكفيرية التي ستعاقب جرائم البشر كلهم من خلال الإنسان الوحيد المعصوم عن الخطيئة، وهو إبن الله… (ص: 206-207)

… لا يستطيع لسان أن يصف الرعب  والألم اللذين ملآ قلب المخلص لرؤيته مشاهد التكفير المرعبة هذه، لأنه لم يرَ فقط حجم الآلام التي سيعانيها، إنما أيضاً الطرق التي ستُستخدم لتعذيبه، والغضب الشيطاني الذي إخترعها، ووحشية الجلادين، وأوجاع جميع الضحايا البريئة والخاطئة.. فراح يتصبّب عرقاً يسيل ويتساقط على الأرض كالدماء.

فيما كان يسوع غارقاً بالحزن والكآبة، كانت الملائكة تتعاطف معه. أرادت فعلاً أن تعزيه، فصلّت من أجله امام عرش الله. توقف كل شيء لبرهة من الزمن، جرى خلاله صراع بين عدالة الله ورحمته من جهة والحب الذي يتقدّم ذبيحة له من جهة ثانية. 

رأيت صورة الله، لا على العرش كما سبق لي أن رأيته في الماضي، إنما في هيئة مضيئة غامضة بعض الشيء. رأيت الطبيعة الإلهية للإبن في شخص الآب متحدةً معه؛ كما رأيت الروح القدس ينبثق من الآب والإبن، وكأنه في وسطهما. إنما شكّل الثلاثة إلهاً واحداً.. – كان هذا إدراكاً داخلياً لإشكال مثالية أكثر منه لأشكال واضحة وحسيّة -.. (ص 207-208)

… عندما أراد المخلص أن يختبر، كإنسان عادي، الآلام التي يعاني منها البشر عند العذاب والموت، وحين قرّر تخطّي ذلك الشعور بالإشمئزاز – وهو بحد ذاته جزء من هذه الآلام – سمح للمجرّب بأن يفعل به ما يفعله بكل إنسان يرغب أن يضحي بنفسه من أجل قضية مقدسة.

في القسم الأول من النزاع، أظهر إبليس أمام يسوع ضخامة دَين الخطيئة الذي يتعيّن عليه تسديده، حتى انه تجرأ بوقاحة وخبث أن يدعّي بأن حياة يسوع لم تكن معصومة عن الخطيئة.

أما في النزاع الثاني، أرت الملائكة يسوع مدى العذاب التكفيري الذي ينبغي أن يتحملّه لإيفاء العدالة الإلهية حقّها؛ إذ إن إبليس لا يعترف بالتكفير عن الخطايا، فملك الأكاذيب والكآبة لا يرغب أبداً أن يُظهر للبشر أعمال الرحمة الإلهية. وحين تحمّل يسوع كل تلك الصراعات وإنتصر عليها باستسلامه الكامل والمطلق لمشيئة أبيه السماوي، ظهرت أمامه سلسلة جديدة من الصور المروعة والمخيفة. فسأل نفسه ذلك السؤال الذي يسأله كل إنسان قبل قيامه بالتضحية: “ما نفع هذه التضحية؟“… (ص 209)

عندما خلق الله آدم الأول في جنة عدن، أوقع سباتاً عليه فنام. ثم فتح جنبه، واستئصل إحدى اضلاعه، وصنع منها حواء، المرأة الأولى، وام كل الأحياء…. هذا كان الزواج الذي كتب عنه: “إن هذا لسرّ عظيم. عظيم في المسيح والكنيسة. أمّا يسوع المسيح، آدم الجديد، فأراد أيضا أن يغطّ في سبات عميق ألا وهو سبات الموت على الصليب، وان يفتح جنبه، لكي يُصنع منه حواء جديدة، عروسه البتول، الا وهي الكنيسة، امّ كلّ الأحياء. أراد ان يمنحها دم الخلاص، وماء التطهير، وروحه.. والأسرار المقدسة، لكي تكون طاهرة، مقدسة، ونقية.

أراد ان يكون رأسها، ونحن أعضاءها الخاضعة لهذه الرأس، فنكون عظماً من عظامه ولحماً من لحمه. بتجسدّه هذا وموته لأجلنا، ترك أباه السماوي ليلزم عروسه، الكنيسة؛ فأصبحا جسداً واحداً، وغذاها بالقربان المقدس، فاتحدّ بذلك بنا الى الأبد.

أراد أن يبقى على الأرض مع الكنيسة، الى أن نتحّد كلنا به في السماء. وقال: “أبواب الجحيم لن تقوى عليها“…. كان قد تأمل بحزن عميق هذا الديّن وهذه العذابات التي سيعانيها كي يفيها. ورغم ذلك قدّم نفسه بفرح، لمشيئة أبيه السماوي، كذبيحة تكفير. (ص 210)

ظهر أمام يسوع المشهد التعيس لجحود البشر، ومعاناة رسله وتلاميذه وأصدقائه. رأى الكنيسة أولاً، وكان عددها قليل، ثم كبرت معاناتها مع تزايد عددها؛ فقد إجتاحها المهرطقون والمنشقّون، وذلك بارتكاب الخطايا تبعاً لخطيئة السقوط الأولى، من غرور وتمرّد وعصيان، وحبّ للذات… رأى التدنيس على يد الكهنة الأشرار… رأيت فضائح العصور كلّها، منذ تأسيس الكنيسة حتى نهاية العالم… (ص 211)

رفضوا أن يدخلو من الباب المنخفض، كيلا يخفضوا رؤوسهم المتعالية.. (ص 213)

وقع يسع أرضاً، وكانت طبيعته البشرية تحارب بكل قواها كيلا تعاني بسبب هؤلاء البشر الجاحدين؛ وكان يتصبّب عرقاً، على شكل قطرات من الدم. نظر من حوله بكآبة، باحثاً عن طريقة ليتخلّص من هذا العذاب، وبدا كأنه يعتبر السماء والأرض والنجوم شهوداً لآلامه. وسمعت الشيطان يصرخ: “أيعقل ان تتحمّل جحود هؤلاء الجاحدين؟ أجبني! أنا أسألك ان تكون شاهداً على ذلك”. حينئذٍ، رأيت القمر والنجوم تقترب، وفي تلك اللحظة أحاطت بيسوع هالة من النور.

صاح يسوع صيحات أليمة ومريرة، فاستيقظ الرسل الثلاثة وراحوا ينصتون إليه، أرادوا أن يقتربوا منه، لكن بطرس ردع يعقوب ويوحنا قائلاً: “أبقوا هنا، سأذهب إليه بنفسي”؛ رأيته يركض ويدخل المغارة. وحين رأى يسوع متألماً ومبللاً بدمائه، هتف: ماذا حدث لك يا سيدي؟” لم يجبه يسوع، أنه لم يعر إنتباهاً لوجوده. فعاد بطرس عند الرسولين الآخرين وأخبرهم ان يسوع لم يهتم لوجوده، إذ كان يبكي ويتنهّد. اشتدّ حزنهم لهذا الكلام، فغطوا رؤوسهم وجلسوا أرضاً يصلون ويبكون (ص 215).

سمعته عدة مرات يصرخ: “يا أبتِ، هل يمكنني أن اتألم من اجل هؤلاء الناس الجاحدين؟ يا ابت، إن امكن ابعدْ عني هذه الكأس! فلْتكن مشيئتك لا مشيئتي”. (ص216)

وسط مشاهد الجحود تجاه الرحمة الإلهية، رأيت إبليس يضطرب متخذاً أشكال عديدة تختلف باختلاف نوع الخطايا فكان يظهر تارة على شكل نمر، او شكل ذئب، أو ثعلب، أو تنين، أو حيّة. لم تكن أشكال هذه الحيوانات كما هي في الواقع، إنما أخذت منها صفاتها القبيحة كاشكال الدمار، والكراهية، والتناقض، والخطيئة، او حتى أشكال الشيطان بنفسه… (ص 216)

هو حبة القمح السماوية التي، متى سقطت في الأرض، ماتت من اجل توفير خبز الحياة الأبدية للبشر. (ص 217)

إن بخل البشر تجاه يسوع أحزنه؛ هو الذي اطعمهم من جسده ودمه. (ص 219)

عشية القيامة

راودتني رؤيا غامضة، أعجز عن رواية تفاصيلها. رأيت نفس يسوع مفترقة عن جسده، تخرج من القبر معه وفيه؛ وحمل الملاكان الجسد المقدّس العاري والمشوّه، والمغطّى بالندابات، ورفعاه الى السماء مخترقان الصخور. هنا قدّم يسوع جسده المعذّب امام عرش الآب السماوي، وسط جوقةٍ لا تحصى من الملائكة الساجدة. (ص 500 – الجزء الخامس – الفصل الثاني، عشية القيامة)