عَ مدار الساعة


في زمن آلامنا، نعتصر الوجع ونسجُد لآلامك

على رجاء القيامة نعيش حياتنا المسيحية في هذا الشرق (أمين أبوراشد)

***

نحن المسيحيون المشرقيون أولى من سوانا، بالسير على درب الصليب، وإحياء ذكرى الجلجلة التي نسلكها خلف السيد المسيح منذ أكثر من ألفي عام، لأننا ارتضينا البقاء في هذا الشرق، الذي تبرَّك بمهده ولحده ومسيرته العظيمة ورسالته المقدَّسة، وشاءنا أن نكون رُسُلاً على خطى بولس الرسول، نحمل راية الحضارة المسيحية رغم الجلاجل والعذابات.

نستعرض المراحل الأربع عشرة مع آلام سيدنا يسوع المسيح وآلامنا، ونعيش الرجاء من أجل إسمه، ونكرر ما ورد في الإنجيل (متّى 16: 24- 26 ): “من أراد أن يتبعني، فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، لأنّ الذي يريد أن يخلّص حياته يخسرها، ولكنّ الذي يخسر حياته في سبيلي يجدها، وماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه .

نسير هذا العام درب الصليب بكل مراحلها كما في كل عام:

– في المرحلة الأولى: نتأملُ يسوع محكُوماً عليه بالموت ظُلماً، ونتشارك معه سماع الحُكم، نحن الذين عبر تاريخنا وعلى مدى أجيال صدرت بحقِّنا الأحكام الظالمة.

– وفي المرحلة الثانية، نتأملُه حامِلاً صليبهُ، وما أكثر الصلبان التي حملناها إيماناً برسالته.

– وفي الثالثة، يقع تحت الصليب للمرّة الأولى، وما أكثر الأحمال التي وقعنا تحتها ولم نندم من أجل مجده.

– وفي الرابعة، نشهد لقاءه بأمّه الحزينة، وما أكثر الأمهات الثكالى اللواتي يبكينَ الفلذات البريئة التي سقطت تحت سكاكين التكفيريين وأعداء القِيَم الإنسانية من شياطين هذا الزمن.

– وفي الخامسة، “سمعان القيرواني” يُعين يسوع على حمل الصليب، ولطالما وجدنا “سمعانيين مُباركين” امتدت أياديهم لإعانتنا على حمل صليبنا وإكمال مسيرة حضارتنا، إيماناً منهم بواجب وجودنا في هذا الشرق.

– وفي السادسة، إمرأة قدِّيسة تمسح وجه يسوع بمنديل، ولطالما مَسَحت أيادٍ مقدَّسة دموع الأسى والحسرة عن وجوهنا، ودافعت عن كنائسنا ورفعت أجراسنا لتعود وتقرع ألحان السلام.

– وفي السابعة، يسوع يقع تحت الصليب للمرّة الثانية، وينهض ويُكمِل مسيرة الفداء، ونُكمِل مسيرة ثقتنا به فادياً لنا.

– وفي الثامنة، يسوع يُعزِّي بنات أورشليم الباكيات عليه، وسيبكي علينا يوماً دموع الندم، كل من اعتبرنا كُفاراً وحاول التنكيل بنا.

– وفي التاسعة، يسوع يقع تحت الصليب للمرة الثالثة، وللمرة الثالثة نؤكِّد أننا صليبه سوف نحمله رغم الوقعات المؤلمة.

– وفي العاشرة، يُعرَّى من ثيابه ويُسقى خلاً ومرّاً، ونحن من أجله سكنَّا العراء، وشربنا علقم العذاب لأجل إسمه ولم نندم.

– وفي الحادية عشرة، يُسمَّر على الصليب، وفي الثانية عشرة يموت، وفي الثالثة عشرة يُوضع في حضن أمِّه، وفي الرابعة عشرة يُدفَن في القبر على رجاء القيامة.

وعلى رجاء القيامة من قبر الظُلمات، سنعيش حياتنا المسيحية في هذا الشرق، مع أبناء الديانات السماوية الأخرى، مؤمنين برسالة المسيح وبأنفسنا، وسنبقى رُسُل حضارة وتفاعل مع كل آخر امتدَّت يده المُباركة كما يد سمعان القيرواني، وساعدتنا يوماً على الوقوف وإكمال المسيرة، لنستمر في هذا الشرق أبناء كرامة مع أخوةٍ لنا في الله، ونورِث الأجيال القادمة مجد المسيح …