أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


حبيب فياض: العهد العوني الفرصة الأخيرة لبناء دولة حديثة بأدوات قديمة وإلا.. .

البديل سيكون هدم الدولة القديمة بأدوات جديدة

حبيب فياض –

يعاني اللبنانيون من افتقادهم أمرين ضروريين يعجزون عن الجمع بينهما. هم يفتقدون أولاً جرعة معنوية تخرجهم من الإحباط الذي يعيشونه على مستوى الأمل بالإصلاح والتغيير، كما يحتاجون ثانياً إلى نزعة واقعية تدفع بهم إلى فهم خطورة ما هم فيه، مقدمةً للعمل على الخروج منه والذهاب نحو المستقبل. فيما لبنان على بوابة العهد الجديد، بات ممكنا الخروج من صيغته البرزخية، التي وضعته لسنين طويلة بين حالتي فقدان القدرة على الانهيار والعجز عن الخروج من نفق الأزمة.

تتجلى استثنائية لبنان في تعادلية قائمة على التنازع بين المدنية والتخلف. يمتلك لبنان من عوامل النهوض والتقدم بمقدار ما يمتلك من أسباب الارتكاس والتراجع. ألف باء الإصلاح اللبناني يكمن في تغليب مصالح الدولة على نزوات الممسكين بزمامها. تقوم صراعات اللبنانيين على اعتبارات، أدواتها طائفية وأهدافها زعمائية: الوطن في خدمة الطائفة، والطائفة في خدمة الحزب، والحزب في خدمة الجماعة، والجماعة في خدمة الزعيم، والزعيم في خدمة نفسه وأهل بيته، فيما هو يراكم من المال والسلطة ما يجعله قائداً الى الأبد، ومتهماً بلا محاكمة أو إدانة مدى الحياة.

habib-fayad-otv

خروج اللبنانيين من المتاهة القائمة متوقف على أمرين. الأول، اقتناع المواطن بأنه إنسان يستطيع أن يتنفس ويأكل ويشرب ويفكر بمعزل عن الزعيم؛ وأن الأخير ليس إلهاً، بل هو إنسان من لحم ودم؛ ويمكن أن يخضع للمساءلة والنقد والمحاسبة والعزل. والثاني، اقتناع الزعيم نفسه بأن الوطن ليس مزرعة يأتي حرثها أنى شاء؛ وبأن المنصب موقع لخدمة الناس وليس مرتعا للتآمر والهدر والنهب والاستعباد. قد لا يكون متاحاً في بلد مثل لبنان محاكمة الزعماء، لكن من الممكن وضع حد لتماديهم في النهب والإفساد؛ حيث لا أمل ببناء لبنان الغد من دون تحولات جوهرية تطال العلاقة بين المواطن والمسؤول، بالتوازي مع العمل على إعادة بناء الدولة والمؤسسات.

ما يفصل لبنان عن صناعة المستقبل خروجه من الماضي. وما يفصل اللبنانيين عن واقعهم المزري الترفع عن مشاكل الأمس والذهاب نحو الغد بنيات حسنة وتطلعات جديدة. لبنان في ظل الرئاسة العونية أمام فرصة للخروج من حالة الخصومات المتمادية الى مصالحات حقيقية. قد يكون العهد العوني هو الفرصة الأخيرة أمام بناء الدولة الحديثة بالأدوات القديمة، وإلا فإن البديل سيكون هدم الدولة القديمة بأدوات جديدة.

لا بد من الفصل بين مرحلة وصول الجنرال عون الى الرئاسة وما بعدها. معركة التفاخر حول من هو صاحب الحظ الأوفر في صناعة الرئاسة العونية، فقدت وهجها سريعاً. هذا أوان التحدي للخروج من لبنان الفساد والنفايات والمحاصصة إلى لبنان الجديد. خلطة الاصطفافات الجديدة على بوابة العهد العوني أطاحت التحالفات المعهودة. المرحلة المقبلة ستمهد للخروج من الثنائية الآذارية إلى اصطفاف الموجوعين والمقهورين، من شعب المجتمع الأهلي، مقابل النظام وأتباعه…

المصدر: السفير