– من “آجيا صوفيا” الى “براد”، لن نذرف دموعنا على درب الجلجلة باقون ( أمين أبوراشد )
***
“هوشعنا في الأعالي”، مُباركٌ الآتي باسم الربّ…وفي الناس المسَرَّة.
أعراس فرحٍ مسيحية نُحييها في أحد الشعانين، نرفع الشموع المُزيَّنة ونحمل أطفالنا بملابسهم الزاهية وعيونهم الملوَّنة بإشراقة الفرح، وعلى ترانيم ضحكاتهم، وعلى وقع أجراس كنائسنا في كل لبنان، وما بقي من أجراسٍ في بلدان الشرق، وننطلق بمسيرات الأمل والرجاء وبقيادة الأطفال، لأنهم هم الرسالة في محيطٍ جُهَنَّمي تسكنه شياطين شموعها سيوف، وزينتها أحمر البراءة في مسيرات النحر والإنتحار على وقع طبول الجنازات.
لن نبكي قبر مارون في “براد”، تماماً كما لم نبكِ سابقاً كنيسة “آجيا صوفيا” التي حوَّلها بنو عثمان الى مسجدٍ يحتضن فتاوى التكفير، وإرث الحقد من زمن إبن تيمية الى عصر أيمن الظواهري ويوسف القرضاوي، مروراً بكلّ لسانٍ تكفيري ينكُر قُدسية الإنسان ويُحرِّض على الآخر ويرفض ثقافته الحضارية، ومن “آجيا صوفيا” الى “براد”، لن نذرف دموعنا على تدمير الحجر وقد جفَّت مآقينا على رحيل البشر!
سنرفع أغصان الزيتون، تحيةً الى دُعاة السلام، ورسائل تحذيرٍ الى من لا تعرف قلوبهم السلام في شرق التكفير، ونُقسِم على مذابح كنائسنا، أن أعراس أطفالنا سنُحيي في كل شعانين، ومع بداية أسبوع الآلام، نؤكد أننا على درب الجلجلة المُقدَّسة باقون، وأننا “ندري ماذا نفعل” لنستمر في أرضٍ قدَّستها أقدام السيد المسيح، ونسير على خُطى بولس الرسول الى ما شاء الله لنا من جلاجل لا تنتهي..
سننطلق من بيوتنا رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، في مسيرات الطفولة، بالنيابة عمَّن دُمِّرت بيوتهم ومعابدهم ونزحوا عن قُراهم، يبحثون عن خيمةٍ تأويهم في صحارى العرب ولا يجدون في خيمة البداوة الحقيرة من يحتضن عذاباتهم…
سنحمل أطفال لبنان على أكتافنا بالشموع المُضاءة، ونستذكر مع كل ذرفةِ شمعةٍ، أطفالاً أطفأت الشياطين جذوة حياتهم وانطفأت معها شموعهم، وذرفوا دماءهم مجاناً على أرصفة العرب، وذرفت الثكالى عليهم الدموع والحسرات.
وأجراسنا سنقرعها فرحاً بالسلام، ونُقارع بها نفير الحرب وطبول الموت الرخيص، ونُصلِّي لضحايا بريئة سقطت من كل الأديان، ونثُبِّت إيماننا أمام الله، أننا لن نقبل الى ما لا نهاية أن نكون أضاحي على مآدب الشياطين وأكلة لحوم البشر.
وأنتم أيها العثمانيون، والله أنكم تدرون ماذا تفعلون عندما ترمون نار حقدكم على براد وعلى قبر مارون بالذات، لأننا من هناك، نحن جراجمة سوريا ومردة لبنان، حملنا الفكر مطابعاً وكُتُباً ونهضةً، وظننا خطئاً أن رسالتنا سوف تُنير عتمة الجهالة في شرقٍ لم تُشرق شمسه سوى على الظُلم والظلام..
تلقينا الطعنات الوجودية عند كل مشهدية من جلجلتنا، وشربنا الخلَّ والعلقم وعُلِّقنا على خشبة من أجل رسالتنا المسيحية العظيمة، ولكن،
بإمكاننا متابعة السير، ولو أن الخدَّ الأيسر قد تعِبَ من تحمُّل الآلام عن الأيمن، وسوف نستمر على درب الفداء، ومع إخوةٌ لنا يعرفون الله ويؤمنون بالقيَم، ونجتمع وإياهم على الخير، ويَرون فينا قيمة مضافة لنواجه معاً بالحقّ، رومان ويهود العصر…
سنواجه مع أخوة لنا جحافل العائدين من العصر الحجري ومن زمنِ “أبي جهل”، ويحملون فكر القذارة عند “إبن تيمية”، والإجرام الحاقد عند “محمد بن عبد الوهاب”، ويحملون نتانة “أبي بكر ناجي” في “إدارة التوحُّش” ويتخاطبون كما الإبل بِلُغة “حسن البنَّا” و”سيِّد قُطب”، ولمن يسألنا كيف نواجه بطُهر مريم، وعبَق بخُّور الكنائس هؤلاء الرُعاع، وبأية لُغةٍ نُخاطب من علَّمناهم لُغة الضاد فانقلبت ضدنا فتاوى شياطين، نُجِيب بأسف:
لا بالنهضة نهضوا، ولا بالكتاب قرأوا الرحمة، ولا النبرة الطيِّبة يفقهون، لكننا رغماً عنهم، كتبنا رسالتنا بوجه الشمس، وعلى جبهة السماء، أننا صُنَّاع حضارة مُستدامة، وأننا لا نستطيع سوى أن نكون بشراً، وأن نعيش إنسانيتنا حتى ولو بين الخنازير، ولو بقينا بنظرهم “كُفَّاراً” ووحدهم المؤمنون، ونقول للآتي باسم الرب:
يا سيِّد المجد،
سلكتَ جلجلة واحدة، ونحن لم ننتهِ من الجلاجل بإسمِكَ ولكن،
لا نستطيع أن نكون عكس ذلك، وسنبقى قولاً وفعلاً أبناء الرسالة المسيحية، ولا تخشَ علينا بعد اليوم من دفع الأثمان، طالما هي جزء من كلفة إيماننا ووجودنا المشرقي، ولا بُدَّ لإبل الجاهلية أن ترقُد، وللغربان أن ترحل ويختفي نعيقها من سمائنا، ونقرع أجراس الكنائس بصَخبٍ يحاكي الله وخلقه على وقع مآذن التكبير، وتبقى كلمة الحق صادحةً، و”المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المَسَرَّة”…