– خائفون على ثقافة مُجتمعية تُساوى بين الأزعر والآدمي… (أمين أبوراشد)
***
أنا لا أرفع قضيتي أمام الرأي العام بصفة شخصية، لأني أنتمي الى أوسع شريحة من الشعب اللبناني، الذي ينطق القضاء أحكامه بإسمه، وأعرضها كما هي، أزمة إنسانية أخلاقية وطنية، تسمو حتى فوق كل التعاليم الدينية، لأنها أزمة مجتمعٍ يعيش أجواء “العفو العام” عن المجرمين والإرهابيين واللصوص وتجار المخدرات، بحيث يتساوى إبن الحرام مع أبناء الأوادم يا وطني، ليس لأن القضاء سوف يُقرر هذا العفو بإسم الشعب اللبناني، بل لأن شياطين تكفيريين “ينتعلون” عمائم دينية، ينفثون قذارة مذهبيتهم ويهدِّدون بوجوب إقرار العفو العام الشامل الذي لا استثناء فيه لأحد لا من طائفتهم ولا من غيرهم من الطوائف، وأن موقفهم هذا لا رجوع عنه!
ولأني أنتمي للشريحة الأوسع من الشعب اللبناني غير المعنية بالعفو العام، وتحمل سجلات عدلية “لا حُكم عليه”، أعرض القضية، أمام فخامة الضمير ميشال عون أولاً وأمام القضاء اللبناني ثانياً.
كنتُ في التاسعة من عمري، عندما سرقت “ربع ليرة” من جيب شقيقي، وضربتني والدتي للمرة الأولى بِعُودٍ قاسٍ من شجر الرمَّان، ثم أكمل عليّ والدي بـ “نبريش مطاطيّ”، وتعلَّمت من يومها، وبتربيتي البيتية، وقبل أن أقرأ “وصايا الله العشر” وقبل أن أبلغ مرحلة فهم القانون، أن السرقة هي من أشنع الجِنَح لا بل تُقارب جناية الجريمة، وأن السارق هو من أقذر مخلوقات الأرض.
وفي مطلع شبابي، قررت السفر لبدء حياتي العملية في الخارج، نزِلًت عليّ توجيهات والدي كما الآية المُقدَّسة، وودَّعني بعبارة: “إياك من المال الحرام”، وحفرتها في قلبي وضميري، وارتشفها أولادي لاحقاً من نعومة أظفارهم، وأحمد الله على نعمةٍ، بإسمي وبإسم كل عائلة لبنانية مسلمة كانت أم مسيحية ربَّت أولادها برضى الله ويقظة ضمير، وبعد،
إذا كان من حقّ الإرهابي سالم الرافعي، تجاوز كل الأخلاقيات والآداب والأصول، ويُصدر أوامر العفو بالنيابة عن القضاء والشعب اللبناني، وبلهجة تهديد مذهبية قذرة، فأنا الذي أنتمي الى شريحة الأوادم في وطني، أولى بأن أرفع توصية الى مقام فخامة اللبناني الأول قبل أن يُصدر “القاضي سالم الرافعي” حُكمه، مع علمي المُسبق وثقتي المُطلقة أن يد ميشال عون النقيَّة الطاهرة لا توقِّع على عفوِ عام عن الذين ارتكبوا مجازر الدمّ بحق الشعب اللبناني وبحق الجيش.
ونأتي الى مرتكبي جِنَح السرقة والتزوير والمخدرات ونقول: لسنا نخاف على عائلاتنا وأولادنا من قُطعان الذئاب هؤلاء في حال إطلاق سراحهم بعفوٍ عام، لكننا خائفون على ثقافة مُجتمعية وطنية سوف تُساوى بين الأزعر والآدمي، وبين السارق والأمين، وبين المُجرم والمُسالم، وبين الصادق والمُزوِّر، فكيف سيتمّ ضبط إرتكابات الجنايات والجِنح بعد “إفلات” هؤلاء المساجين بالآلاف وإعادتهم دون تأهيلهم الى مجتمعاتهم، وهل تتوقَّعون من مزارع الحشيشة أن يغدو بعد خروجه من السجن زارع ورود، ومن مُروِّج المخدرات بائع خبز، ومن المُزوِّر رجُل تقوى يرشح زيت قداسة؟!
ولو سلَّمنا جدلاً أن قانون العفو تم تنقيحه واستثناء المُجرمين منه، فكيف سيُمارس القضاء مهامه، بالقبض على مُرتكِبٍ ومحاكمته ومحاسبته بعد ذلك؟ وهنا تكمُن المُصيبة بل الجريمة بحق الوطن، لأنه إذا كان من منحرفين يهابون القانون، فإن “العفو المُحلَّل” لأبناء الحرام السابقين سيغدو حلالاُ بل عُرفاً وتكرار العُرفِ يمنحه صفة القانون.
لكُم أن تنصاعوا لتهديدات شياطين التكفير، لأن القضاء قصَّر في إنهاء ما يُعرف بملف الإسلاميين عبر محاكمتهم بإطلاق البريء منهم وإدانة الجاني، لكن ان تُعمَّم نظرية 6 و 6 مكرَّر حتى على المُجرمين، ومُقابل كل مجرم إرهابي من طائفة يُقابله تاجر مخدرات من طائفة ثانية ولصّ سيارات من طائفة ثالثة، فإنكم والله تنحرون حتى تعاليم الله وتنحرون معها كل القيم الإنسانية التي تسمو فوق الأديان والطوائف، وتكتبون دِيناً جديداً يُساوي بين أبناء الحرام وبين الأوادم، وتدفعون بنا الى الكفر والى تلاوة “فعل الندامة” على تربيتنا البيتية، التي ورثناها عن أهلنا ونورِثها لأولادنا، في وطنٍ لا مساحة فيه للعدالة والقانون ولا يستحق أبناء الأوادم …