أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


عندما أنقذ إميل لحود المقاومة.. ولبنان

رفعت البدوي-

في الشهر السابع من العام 1993 صوتت حكومة العدو الاسرائيلي برئاسة اسحق رابين، على قرار لصالح قيام جيش العدو بعملية عسكرية في جنوب لبنان أُطلق عليها إسم “تصفية الحساب”، تمثلت بشن عدوان على لبنان بهدف اجتثاث “حزب الله” من الجنوب اللبناني، وذلك بحجة الدفاع عن مستوطنات الجليل التي تعرضت لقصف صواريخ الكاتيوشا التي يطلقها رجال المقاومة اللبنانية.

بدأ العدوان الاسرائيلي في 24/7/1993، وانتهى في 31/7/1993 بإعلان وقف إطلاق النار سُمِّي “اتفاق تفاهم”، وذلك بعد فشل عملية “تصفية الحساب” الاسرائيلية في تحقيق أهدافها التي أعلنها رابين، وهي تهجير السكان من جنوب لبنان وتفكيك لبنان ووحدته والقضاء على “حزب الله”.

أدرك العدو الاسرائيلي فشله، وبما أن أميركا هي الدولة المهيمنة على قرار مجلس الامن، لجأت اسرائيل واميركا الى خطة بديلة قضت بدعوة مجلس الامن للاجتماع بناءً على طلب واشنطن، وذلك لاتخاذ قرار أممي ملزم للدولة اللبنانية أفضى بضرورة إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب والقيام بعملية عسكرية، بالاشتراك مع قوات اليونيفيل الموجودة في جنوب لبنان، بهدف شطب المقاومة اللبنانية من الوجود.

الحكومة اللبنانية في العام 1993 رضخت لقرار مجلس الامن الذي تم ترتيبه بين واشنطن وتل أبيب، كما أن الحكومة أبلغت المجلس الأعلى للدفاع بضرورة التئامه وإصدار أمر المباشرة بتنفيذ القرار الدولي الاميركي ـ الاسرائيلي، والا فان لبنان سيواجه الويل والثبور وعظائم الامور.

رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك اضافة الى وزير الدفاع، أبلغا قائد الجيش اللبناني العماد آميل لحود بضرورة وضع خطة عسكرية سريعة، تزامناً مع صدور قرار المجلس الاعلى للدفاع، ايذاناً بانهاء نشاط المقاومة في الجنوب والقضاء على رجالها حرقاً بمدافع لهيب النار. كما ان رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك أبلغ قائد الجيش اللبناتي، أنه شخصياً يمتلك الضمانات اللازمة والغطاء الدولي والاميركي، كما انه حصل على موافقة الدولة السورية للقيام بالعملية العسكرية.

قائد الحيش العماد اميل لحود رفض تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية، أو الانصياع لطلب رئيس الحكومة أو الاذعان لقرار المجلس الاعلى للدفاع.

وفي اليوم التالي، عند الساعة التاسعه صباحاً، اجتمع المجلس الاعلى للدفاع اللبناني، حينها دام الاجتماع نصف ساعة فقط، وكان على جدول أعماله بند واحد لا غير، وانفض متخذاً قرار البدء بتنفيذ العملية العسكرية في جنوب لبنان. لكن في ذاك اليوم لم تجر الامور حسب المرسوم، حيث وصل قائد الجيش إلى مكتبه في وزارة الدفاع في تمام الساعة 9:30 صباحاً، متأخراً عن موعده المعتاد في بلوغه مكتبه، حيث كان يحضر إلى مكتبه في تمام الساعه الخامسة صباحاً من كل يوم، وذلك لانه اتخذ قراراً ضمنياً بالاستقالة من منصب قيادة الجيش، متجنباً تنفيذ قرار المجلس الاعلى للدفاع.

توجه قائد الجيش الى مكتبه الخاص فوراً، ولدى دخوله فوجئ بوجود قائد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان ورئيس أركانه اضافة الى مدير المخابرات في الجيش اللبناني مع نائبه، وجميعهم منكبون على دراسة خرائط الجنوب اللبناني، يتدارسون في كيفية بدء عملية تصفية المقاومة اللبنانية، وذلك تنفيذاً لقرار المجلس الاعلى للدفاع الذي يحطى بغطاء القيادة السياسية اللبنانية في كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي ورئاسة الحكومة، وذلك بالإذعان لاوامر واملاءات الادارة الاميركية.

بادر قائد الجيش اللبناني اميل لحود بالسؤال عن سبب عقد الاجتماع في مكتبه الخاص ومن دون علمه. لكن فور تبلغه السبب والهدف، استهجن سرعة التنفيذ، وطلب فض الاجتماع. كما أن اميل لحود أصر على موقفه الرافض تنفيذ الأوامر السياسية، مستنداً الى تاريخه العسكري النقي الوطني، معللاً ذلك بانه لن يكون شريكاً في خيانة القسم العسكري ولا في خيانة شرف الوطن، ولن يسمح بتلطيخ يديه بدماء اللبنانيين الذين يدافعون عن أعراضهم وبيوتهم وارضهم، وانه لن يسمح بتشويه تاريخه وسجله الوطني.

عند هذا الحد ساد الصمت والوجوم على وجوه الحاضرين في القاعة. وبعد برهة تقدم قائد القوات الدولية موجهاً كلامه لقائد الجيش اللبناني قائلاً “أيها القائد، نحن ننفّذ قراراً دولياً تم اتخاذه في مجلس الأمن الدولي”.

نظر العماد لحود إلى قائد القوات الدولية وأجابه “يمكنكم تنفيذ العملية العسكرية شريطة ايجاد قائد آخر للجيش اللبناني غير آميل لحود، وأنا مصرّ على موقفي”.

 

 

وما هي الا دقائق حتى رن جرس الهاتف في مكتب قائد الجيش. وزير الخارجية اللبنانية في حكومة 1993 على الخط طالباً “الاسراع في تنفيذ العملية العسكرية والقضاء على رجال المقاومة اللبنانية بالصورايخ وكل الاسلحة المتوافرة، حتى آخر واحد منهم”. وهنا بادر قائد الجيش بسؤال وزير الخارجية “ومن تكون أنت حتى تصدر الاوامر؟”. أجاب الطرف الآخر “أنا وزير الخارجية”. وسأله قائد الجيش اميل لحود “واين وزير الدفاع؟”. يضيف آميل لحود “لا حاجة لسماع الجواب، وانا سأقول لك الجواب. ان وزير الدفاع لا يستطيع مواجهتي بهكذا طلب خجلاً، وانا نت هنا أعلن استقالتي من قيادة الجيش”. ثم اغلق هاتفه وهمّ بالخروج من مكتبه ليجد رئيس مكتب المخابرات اللبنانية يسرع الخطى نحو قائد الجيش آميل لحود هامساً في أذنه وبعد برهه تقدم أحد الضباط اللبنانيين من قائد الجيش اميل لحود وهمس في اذنه قائلاً “سيادة القائد، لا يمكننا رفض طلب الحكومة اللبنانية بتنفيذ العملية العسكرية في الجنوب اللبناني، لأن العملية تحظى بغطاء القيادة السياسية في لبنان المتمثلة برئاسة الجمهورية، رأس السلطة، ورئاسة الحكومة، السلطة التنفيذية، ورئاسة المجلس النيابي، السلطة التشريعية، اضافة الى وجود غطاء دولي وبموافقة سورية، فضلاً عن ضغوط هائلة على لبنان من اجل تنفيذ العملية طبقاً لقرار الامم المتحدة، والا فان لبنان سيواجه مشاكل لا قدرة لنا عل تحملها”.

عندها ردّ العماد لحود قائلاً بصوت مرتفع سُمع في أرجاء وزارة الدفاع “إذن أنتم جميعاً في لبنان وسوريا وأميركا متآمرون على لبنان.. فليكن ما تريدون، لكن فتّشوا عن قائد للجيش غيري لتحصلوا على الموافقة بالعملية العسكرية”. وخرج من مكتبه متوجهاً نحو منزله.

وقف اميل لحود موقفاً تاريخياً معلناً عن رفضه الاذعان لاي ضغوط من اي جهة كانت، محلية ام اقليمية ام دولية. كما رفض تنفيذ اي قرار صادر عن أي جهة، كانت رسمية ام دبلوماسية ام عسكرية، ومهما كانت فاعلة ومؤثرة، ما لم يكن قراراً يصب في مصلحة وحدة لبنان والمصلحة الوطنية، مؤكّداً أن الطلب الاميركي بتصفية المقاومة اللبنانية ضد العدو الاسرائيلي المحتل هو مطلب اسرائيلي محض ولا يصب في مصلحة لبنان.

قرار قائد الجيش اللبناني رفض تنفيذ العملية العسكرية وصل الى القيادة السورية التي أبدت دهشتها، وعدم علمها بقرار الحكومة اللبنانية تنفيذ العملية العسكرية ضد رجال المقاومة، وان هذا الامر لم يحظ بتغطية أو بموافقة القيادة السورية، لا سياسياً ولا عسكرياً.

أُبلغ الرئيس السوري حافظ الاسد بقرار قائد الجيش اللبناني العماد اميل لحود رفضه الانصياع لقرار الحكومة اللبنانية بتنفيذ عملية اعدام المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان. أعرب الأسد عن إعجابه بقائد الجيش اللبناني واصفاً إياه بـ”القائد فخر الدين”. وعلى الفور وجهت الرئاسة السورية دعوة رسمية لقائد الجيش اللبناني العماد اميل لحود لزيارة دمشق والاجتماع بقيادة الجيش السوري ومع الرئيس حافظ الاسد شخصياً.. وكان اللقاء الاول الذي جمع بين الرئيس حافظ الاسد وبين العماد اميل لحود.

في ذلك الاجتماع تكشفت حقيقة المؤامرة التي حيكت ضد وحدة لبنان وجيشه، وانكشف تواطؤ بعض المسؤولين في لبنان وسوريا ونواياهم في تنفيذ الطلب الاميركي ـ الاسرائيلي بتصفية المقاومة اللبنانية، وتعريض لبنان الى تفكيك وحدته. كما كشف عن زيف الادعاء بموافقة القيادة السورية المسبقة على تنفيذ عملية تصفية المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان.

وهكذا توضحت الصوره وكُشِفت المؤامره وانكشف تواطؤ بعض المسؤلين في لبنان وسوريا، أولئك الذين اعتمدتهم المخابرات الاميركية في كل من لبنان وسوريا لتنفيذ الاملاءات والمخططات الاميركية التي تضمن أمن العدو الاسرائيلي.

وامام اصرار وثبات العماد اميل لحود على موقفه الرافض وانكشاف المؤامرة ومعرفة منفذيها، ألغي قرار الحكومة اللبنانية تنفيذ الطلب الاميركي ـ الاسرائيلي، وانتصر موقف العماد اميل لحود وكان له ما أراد.

نستطيع القول ان قائد الحيش اللبناني في العام 1993 العماد اميل جميل لحود، أنقذ لبنان من مؤامرة اسرائيلية محكمة، وحافظ على وحدة مؤسسة الجيش اللبناني، وبالتالي على وحدة الوطن، ومنعه من التفكك. كما ان اميل جميل لحود كان له الفضل في حماية المقاومة اللبنانية من التصفية، متمسكاً بالشعار الذهبي وهو وحدة الجيش والشعب والمقاومة، جاعلاً من لبنان قوياً متيناً، محافظاً على أرضه وثرواته، محققاً توازن الردع مع العدو الاسرائيلي.

انه القائد الملتزم بالقسم العسكري بأمانة، المحافظ على حلف اليمين الرئاسي، المتمسك بشرف وكرامة وعزة الوطن.. هذا ما فعله الرئيس المقاوم اميل جميل لحود.

-الرقيب-