– الوطن تراب، والأرض تراب ونحن تراب ولكن.. (أمين أبوراشد)
***
“أذكر يا إنسان أنك تراب والى التراب تعود”، ليست فقط عبارة إيمانية مسيحية يبدأ بها المؤمنون صيامهم الكبير، بل هي حقيقة كونية منذ الأزل والى الأبد، والتراب ليس فقط حقيقتنا، بل هو تعريف بالأرض والوطن، وبقدر ما نروي هذا التراب بعرق التعب، بقدر ما نذوب به عشقاً، وبنفس القدر لو رويناه دماً، فإننا نورثه للأجيال الآتية مجبولاً بالكرامة متى احتضننا ذلك التراب.
لكن المشكلة ليست في أن نعتبر أنفسنا تراباً، وأن كنوز هذه الأرض الفانية ليست أغلى وأوفى وأبقى من التراب، بل مشكلتنا مع كل إنسانٍ غير منسجمٍ مع طبيعة الكون، ويعتبر نفسه فوق التراب وفوق الأرض وفوق الوطن وفوق الشعب، ويتهيأ له أن ذوباننا في تربة الوطن يُحلِّل له ولأشباهه أن يدوس بنعال النجاسة والكبرياء والغطرسة على طُهر التراب الذي هو نحن!
مشكلة هؤلاء “الكافرين” بناموس الكون، أنهم يتجاهلون أننا يوم نترك هذه الفانية، فإن متر ترابٍ هو حصَّة كل البشر، سواء ارتحل من هذه الدنيا ساكن القصر المهيب أو صاحب الكوخ الكئيب، ورغم هذه الحقيقة المقدسة، نرى من ينهش هذه الدنيا بالأنياب، ويرتشف معها دموع الضعفاء والمقهورين، ويدُوس من يفرتشون تراب أوطانهم بكل حُب، ولا ينتظرون من هذا التراب أكثر من حبَّة حنطة تُطعمهم لقمة كرامة.
نعم، الوطن تراب، والأرض تراب ونحن تراب ولكن،
ليس تراب الوطن ملكية لظالم يبيعها لمن يشاء، ولا الأرض تركةً إرثية من الجد الى الأب الى الإبن والحفيد، ولا نحن كمشة تراب برسم البيع، وإذا كانت مخلوقات “الدم الأزرق” التي تحكُم رقاب الناس، تُسيء إدارة شؤونهم، ولا تخشى العقاب يوم يُواريها التراب، فلا بُد لنا أن نستعيد كرامة الرفض من عرقٍ ذرفناه ودمٍ نزفناه، وأن نستولد الثورة على كل ما هو عيب وباطل وظلم وعلى كل ما هو خطيئة تُرتكب بحقنا نحن أبناء الأرض والتراب.
وكما للسماء دينٌ علينا في هذا الصوم المبارك، كذلك لحياتنا الدنيوية ديون، ليس من أجلنا نحن المُرتحلون، بل من أجل من حافظنا على التراب لأجلهم، من أجل أولادنا لحمايتهم من أولاد الحرام!
كل من يورِث الزعامة لإبنه أو حفيده دون وجه حق، هو إبن حرام،
كل من خالف وصايا الله العشر هو إبن حرام،
كل من صامت معدته وضميره صائم هو إبن حرام،
وكل من أفطر على كسرة خبزٍ حرام هو حرامي وساقط وسافل وأكبر إبن حرام…
يا جماعة “الدم الأزرق”، يا من تتهيأون للإنتخابات من أجل مجدٍ زائلٍ تتوارثون،
سواء كنتم من الباكاوات أو المشايخ أو تحملون أي لقبٍ من إرث بني عثمان،
إذا كنا على مدى عقود قد ارتضينا لأنفسنا أن نكون تراباً وأنتم الذهب الخالص، وأننا “الحيط الواطي” وأنتم الأبراج العالية،
وإذا كانت فترة الصيام عن الطعام وعن معاصينا البريئة مفروضة علينا دينياً، فلا صيام لنا عن قول الحق، ولا صيام عن لعنكم من الآن وحتى الإستحقاق الإنتخابي، ولا صيام لنا عن “تمريغكم” بالتراب، لو قررنا أن نكون من أبناء الكرامة، واخترنا الكرام بديلاً عنكم ومسحنا تاريخ إقطاعكم بالتراب…