د. ليلى نقولا –
وها قد انتهى الفراغ في سدة الرئاسة في لبنان، وبات العماد ميشال عون رئيساً للجمهوية اللبنانية، وكما في كل معركة انتخابية، سواء كانت رئاسية أو برلمانية أو غير ذلك، تنقسم الأطراف اللبنانية وتتحالف، وينتصر الأقوى شعبياً وتنظيمياً أو تحالفياً، ولا تنفصل معركة الرئاسة عن هذا المعايير.
ولعل المفارقة الأكثر غرابة في الانتخابات الرئاسية، هو تغيّر مسار الانقسام السياسي في البلد، فبعد أن اختلطت التحالفات السياسية بعد التفاهم الرباعي عام 2005 وتفاهم 6 شباط 2006 بين التيار الوطني الحر (القادم من تحالف 14 آذار)، وحزب الله (الركن الأساسي في قوى 8 آذار)، تعود الأمور اليوم لتختلط، فتقف قوى 8 آذار بمعظمها ضد وصول الرئيس ميشال عون إلى السلطة، بينما يُسجَّل الانتصار الفعلي لقوى أربعة على الساحة السياسية وهي: التيار الوطني الحر بوصول عماده، وحزب الله بإيصال مرشحه الأساسي والوحيد، والقوات اللبنانية التي رشّحت العماد عون ودعمته، والرئيس سعد الحريري، الذي سيعود إلى رئاسة الحكومة بعدما أُخرج منها سابقاً.
ومع الإشارة إلى أن الأزمة السياسية التي تضرب الكتل السياسية ليست وليدة اليوم، بل هي قد تآكلت خلال عقد كامل من الزمن، ثم أتت الانتخابات الرئاسية لتكشفها على حقيقتها، واقعياً، تشير المعركة الرئاسية الأخيرة إلى أن الخاسر الأكبر من تلك الانتخابات هي قوى 8 آذار، ليس لأن الرئيس الجديد ضدها، بل لأنها أصرّت على الوقوف في الموقع الخاسر، ولم تعرف كيف تقود معركة الرئاسة اللبنانية بحنكة وبراغماتية، وتبيّن أن مصالح كل طرف في تلك القوى أقوى من التحالف الذي ربطها ببعضها بعضاً منذ مظاهرة “شكراً سوريا” ولغاية اليوم، ولهذا مؤشرات عدّة، أهمّها:
1- من المفترَض بقوى 8 آذار أنها تخوض معركة “وجودية” في سورية، وأنها جزء لا يتجزَّأ من المعركة الدائرة في المنطقة، ومن المفترَض أيضاً أن وصول العماد عون يعني انتصاراً لهذه القوى، إذ يتحالف التيار الوطني الحر مع أهم مكوّن في هذه القوى ورافعتها (حزب الله)، لكن الواقع العملي يشير إلى أن “الرابط السوري” هو المعيار الوحيد الذي يجمع تلك القوى في إطار تحالف عريض، وأن العناوين اللبنانية لا تشكّل أي معيار يمكن التعويل عليه لبقاء هذا التحالف.
2- بالرغم من إعلان بعض كتل 8 آذار النيابية عن رغبتهم بالتصويت للرئيس عون، لكن ذلك الإعلان يجب أن لايحجب فكرة أساسية، وهي أنهم أيدوا العماد عون بعد انسحاب فرنجية، وبعدما أعلنت الكتل الكبرى الأخرى دعمها للتسوية الرئاسية، وباتت المعركة محسومة لصالح العماد عون، ما يعني أنهم بالسياسة لم يساهموا فعلياً في المعركة الرئاسية، وأتى إعلانهم استلحاقياً لا يمكن صرفه إلا في احتساب الأصوات فحسب.
3- بالنسبة للرئيس نبيه برّي، وبالرغم من أنه كان واضحاً بقوله إن مشكلته مع الرئيس سعد الحريري الذي خانه بعد الاتفاق بينهما على التنسيق في ملف الرئاسة، ولم ينسّق معه في إعلان ترشيحه للعماد عون، تتركّز حملات الجمهور السلبية على الرئيس عون وتياره، وتحيّد الحريري.
4- بالرغم من أن الموقف من القضايا الجوهرية المشتركة، كالموقف من المقاومة والصراع مع “إسرائيل”، والموقف من القضية السورية، والإرهاب وغيرها، تجمع العونيين مع تلك القوى، إلا أن شعارات التخوين المتفلتة بدون ضوابط، والاتهامات بالعمالة، والتي ينشرها جمهور من 8 آذار بمجمله (من غير جمهور حزب الله)، تشير إلى أن هوّة سحيقة باتت تفصل جمهور التيار الوطني الحر عن تلك الجماهير، وإن استمرت تلك الحملات فقد تقوم بتدمير كل ما قام به العماد عون لوصل ما كان قد انقطع بين اللبنانيين خلال سنوات الوجود السوري في لبنان، خصوصاً بعدما مارست الوصاية السورية عبر عبد الحليم خدام وغازي كنعان وغيرهما، أشدّ أنواع التنكيل والتفرقة بين اللبنانيين، وبين اللبنانيين والسوريين.
يقول المثل الشعبي: “للنصر ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة”، أما اليوم، فالنصر يبدو صافياً لأهله، ومن كان يمكنه الانخراط في الانتصار جعل نفسه خارجه دون أن يُخرجه أحد، وبهذا الموقف تعود بنا الذاكرة إلى الهدية – الانتصار الذي تحقق في تموز 2006، والذي أهداه السيد حسن نصرالله إلى جميع اللبنانيين، فقام بعض قوى 14 آذار برفضها وأصرّوا على الانهزام، واليوم تمارس بعض قوى 8 آذار نفس السياسة، بحيث تصرّ على الانهزام، بينما هي مدعوّة دائماً للاحتفال بالنصر، ولم تزل.