لا نحتاج الى خطط وسياسات ومطولات، صناعة الوطن الذي نريد تحتاج الى ارادة راسخة وجدية في الانطلاق من اصغر التفاصيل الى اكبرها. (فادي عبود)
رائعة هي مقاربة “النهار” في عنوانها ” لنصنع وطناً”. عندما قرأت العنوان، اول ما تراءى لي اننا لن ننجح في صناعة وطن سيد قوي مستقل، يحتوي ابناءه واحلامهم، اذا لم ننجح في بناء اقتصاد قوي منتج وتنافسي. وبعيدا عن الايديولوجيات والشعارات، يبقى الاقتصاد هو الحصن الاساسي الذي يسمح لكل الافكار بالنمو والازدهار كي لا تموت وتندثر على ابواب البيروقراطية والشلل والعجز. العنصر الأساسي الذي يُحقّق السيادة لأيّ بلد، ويضمن الحقوق وكرامة المواطن، العنصر الأساسي الذي ما زال رهن الصراعات ولم تطله حسنات التحرير والانتصارات، هو الاقتصاد اللبناني. وبات واضحاً أنّ لبنان لن يكون في منأى أو معزل عن الأزمات والتقلّبات والصراعات التي تستمرّ في المنطقة، وبالتالي يجب قولبة اقتصادنا وتحصينه لكي لا يصبح عاجزاً امام أيّ ازمة.
ما السبيل اليوم لهذا البناء، وخاصة وانه في القرن الحادي والعشرين لا يزال اقتصادنا محتلاً، وهناك وجهان لهذا الاحتلال، احتلال خارجي حيث أثبتت السنوات الماضية أنّنا أسرى لعبة المقاطعة الاقتصادية والمصالح الكبرى التي تكبّد لبنان الكثير، واحتلال داخلي من المحتكرين ومن غياب الشفافية في التعامل.
العلاج الاول يكون باعتماد الشفافية المطلقة، وفي ابتداع وسائل تعيد الشفافية الى عملياتنا الاقتصادية الحكومية والخاصة على السواء، ولا انادي هنا بمبدأ الشفافية من باب التبشير أو المثالية المفرطة، ففي عالم الاعمال عندما تنشأ وتعمل شركة في بيئة شفافة، تتضاعف قيمتها واصولها، وتصبح قيمة مضافة عالميا واقليمياً . وكم نحن في حاجة الى تطبيق فوري وسريع لقانون حرية الحصول على المعلومات الذي صدر ولم تتكبد اي ادارة رسمية اليوم السعي الى تطبيقه، هذا القانون الذي يضمن للمواطن والمستثمر الحصول على معلومات اساسية هي حق له، مثل نفقات الادارات العامة والمناقصات والتلزيمات وتفاصيل المشاريع الخ… ألا نحتاج اليوم الى حاكمية فاعلة لمكافحة الفساد لوقف النزف الحاصل جراء هذه الآفة؟
العلاج الثاني هو القيام بغسل دماغ شامل وجذري لنظرية ان الاحتكار هو مدخل للربح لأنه بالواقع مدخل الى الربح المفرط وغير العادل، وانه اساسي للحفاظ على الشركات وهذا غير صحيح، ففي كل دول العالم يعتبر الاحتكار جرما تتم ملاحقته واي محتكر منبوذ في عرف قوانين حماية المستهلك الحديثة، لذا يجب انشاء محاكم متخصصة لمحاربة الاحتكار وانشاء مباديء جديدة لحماية المستهلك .
العلاج الثالث هو الدخول في التفاصيل، تفاصيل المايكرو التي تعتبر الشيطان الاكبر المعرقل للانتاجية. الخطوط العريضة متفقون عليها، كلنا نريد زيادة النمو وزيادة الانتاجية، ولكن كيف تزداد الانتاجية في بلد يفتح المرفأ فيه ست ساعات يومياً فقط، ويتكبد المصدر والصناعي والمنتج مبالغ طائلة لتصدير انتاجه؟ كيف تزداد الانتاجية في بلد الحصول فيه على رخص من اي نوع يتطلب اياما واياما وسمسرات ووجع قلب، كيف نزيد النمو والاستثمارات في بلد خدماته محتكرة ومرتفعة الثمن من الاتصالات والانترنت وضمان اجتماعي والكهرباء واللائحة تطول؟ كيف نقنع اي مستثمر بالمجيء الى لبنان ونحن لا نملك قانون سير فاعل ولا نطبقه في ظل احتكار للمعاينة الميكانيكية، وسياساتنا الضريبية تعاقب منتجي فرص العمل من الضمان الاجتماعي والضريبة على القيمة المضافة وغيرها؟
يجب الانطلاق بمجلس اعلى للتنافسية او سموه ما شئتم يقوم باعادة صياغة كل هذه الاجراءات والتعلم من الدول الناجحة، والحرص على ان يكون معيار التنافس في سلم الاولويات لا مصالح الاتباع والمستفيدين من جماعة الكتبة والفريسيين.
نعم لنصنع وطناً، لكننا لا نحتاج الى خطط وسياسات ومطولات، صناعة الوطن الذي نريد تحتاج الى ارادة راسخة وجدية في الانطلاق من اصغر التفاصيل الى اكبرها.
وزير السياحة السابق
المصدر: النهار