العميد المتقاعد شارل أبي نادر-
عندما وقّع العماد ميشال عون رئيس حزب التيار الوطني الحر (رئيس الجمهورية اليوم) والسيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، وثيقة التفاهم بين الحزبين منذ 12 عاما في مثل هذا اليوم، تفاجأ الكثيرون حينها، خاصة ان التفاهم جاء مباشرة بعد الاتفاق الرباعي الذي عزل التيار الوطني الحر في انتخابات عام 2005 النيابية، وحيث كان حزب الله أحد أركان هذا الاتفاق، لم يصدق الكثيرون ان العونيين قد وقعوا هذا التفاهم.
ستبقى القيمة الوطنية لهذا التفاهم انه يحاكي وينشد الوحدة والاخوة الصادقة
رأى كثيرون حينها وخاصة من الممتعضين من التفاهم، أن تعقيدات الوضع اللبناني المعروفة، ستتكفل بتنفيس بنود هذا التفاهم غير المألوف، “غير المألوف” لانه تخطى الواقع المعروف و”الدارج” في لبنان، والذي دأبت عليه اغلب الاطراف الداخلية في تقوقعاتهم الطائفية والمذهبية، ومع الوقت الذي لن يطول، ودائما حسب هؤلاء “المقهورين”، سيُحَاصر هذا التفاهم بالمصالح وبالارتباطات الداخلية المتضاربة، ورأوا انه حتى لو صمدت بعض بنوده بمواجهة معارضيه في الداخل، سينقض عليها اللاعبون الكبار من الخارج، وسيمحونها بسحر ساحر وكأن شيئا لم يكن، ولكن..
كانت حرب تموز عام 2006 اول تجربة حساسة يتعرض لها التفاهم، وحيث انقسمت حينها الأطراف مباشرة بعد بداية العدوان الاسرائيلي المذكور الى مجموعات، قسم كبير منها عارض بالاساس حزب الله، ومنه من كان في عداد المحرضين عليه قبل الحرب، وقسم آخر هاجم حزب الله لاحقا محملا اياه مسؤولية الدمار والحرب، وقسم آخر ضَعُف واستسلم بعد بدايتها مباشرة، وبدأ ينادي بوقفها مع تطبيق ما تشترطه “إسرائيل”، وكان للشريك الآخر في التفاهم (التيار الوطني الحر) ولرئيسه موقف ثابت ومتقدم جدا في دعم حزب الله، وفي تبرير وحماية معركة المقاومة، وفي حماية ظهرها في بيئة التيار الواسعة داخليا، وفي الاوساط والقنوات الخارجية التي يؤثّر او يتواصل معها رئيس التيار آنذاك، وحينها صمد الحزب ومعه لبنان بفضل الشهداء الابرار من المقاومة ومن الجيش اللبناني ومن المدنيين، وكان نصر من الله بعون من الله.
حرب تموز 2006: نصر من الله بعون من الله
لاحقا، وعلى مرّ السنوات، أمّن التفاهم مظلة حماية داخلية وطنية تخطت الطوائف والمذاهب والمناطق، وكانت في اغلب المحطات الحساسة والخطرة صمام أمان فعالاً، واستطاع “التفاهم” ان يشكّل جواز عبور آمن وضامن وثابت بين ضفافٍ داخل الوطن، طالما كانت متباعدة وحذرة ومتناقضة، واحيانا “متقاتلة”.
وأيضا تابع المغرضون بأحلامهم لفرط التفاهم، ولم يوفروا اي فرصة او مناسبة يجدون فيها امكانية او مدخلا للتصويب على التفاهم ولمحاولة الايقاع بين اركانه.. وبالمقابل كان يقوى ويشتد ويتجذّر أكثر في مجتمعات أركانه.. فأصبحتَ تجد أن للسيد حسن نصرالله مؤيدين ومحبين ومقدرين في وسط بيئة التيار المسيحي ربما اكثر من العماد عون وبالعكس، واصبحت ترى صورة “السيد” في منازل وقلوب الكثير من المسيحيين، وصورة “العماد” في منازل وقلوب الكثير من الشيعة، وهكذا..
وكانت تجربة ومعمودية انتخاب رئيس الجمهورية، وحيث رأى المعارضون ايضا أنها ستكون الضربة القاضية للتفاهم، إذ إن حزب الله سيضعف امام ضغط الكثير من حلفائه المعترضين على انتخاب عون، صمد في معركة دعمه حتى النهاية، وحيث نسي أغلبهم، في الداخل وفي الخارج حينها، معركتهم لنزع سلاحه، ركزوا فقط على معركة نزع تأييده للعماد عون، وايضا كانت معركة شرسة، فاقت ربما بشراستها معارك تموز عام 2006 في وادي الحجير وبنت جبيل وعيتا ومارون الراس.. وكما أُجبِرَت “إسرائيل” على الانسحاب والتسليم بفوز المقاومة، أُجبِر هؤلاء على التسليم بالهزيمة وبفوز العماد عون، وانتخب رئيسا لموقع استحقه منذ زمنٍ.
وتابع المغرضون محاولاتهم لضرب التفاهم، وكانوا ينتظرون انه مع وصول العماد عون الى رئاسة الجمهورية سيتحرر من ضغط التفاهم، لانه حصل على ما يريده من حزب الله، وحتماً سوف يتبرأ من التفاهم عند اول استحقاق اقليمي او دولي، بعد اجتماعه مع ملوك وقادة من الخليج، او بعد جلوسه في حضرة رؤساء دول كبرى من العالم، ولكن صمد الرئيس عون أكثر وازداد تعلقا وقناعة بالتفاهم وباستراتيجية سلاح حزب الله وبحاجة لبنان له الان، وفي المناسبة او الفرصة التي لم يكن موجودا فيها الرئيس للتعبير عن اقتناعه بالمقاومة وبدورها، كان وزير الخارجية، الرئيس الحالي للتيار الوطني الحر، يستلم الدور والمهمة وعلى اكمل وجه، لدرجة، كان يتفاجأ بها “الرئيس” و”السيد” والمحيط والعالم.
واخيرا.. ستبقى القيمة الوطنية لهذا التفاهم، انه يدعو دائما جميع من هم خارجه وخاصة المعارضين له، للانخراط به، وستبقى قوته، انه يحاكي وينشد الوحدة والاخوة الصادقة، وستبقى قدرته على الاستمرار، في بنوده التي تؤسس لبناء وطن قادر وعادل، وتثبّت القناعة بالمصير المشترك وبكيفية مواجهته، وتؤكد الاعتراف بحقوق وبواجبات الشريك الآخر في الوطن.
-العهد-