عبد الله بو حبيب –
سمعت عنه في أوائل ثمانينيات القرن الماضي مرشحاً لقيادة الجيش، والتقيته للمرة الأولى في سفارة لبنان في واشنطن في كانون الأول 1983، عندما انتهى من دورة أركان عليا في الولايات المتحدة، ثم خدمت معه سفيراً في واشنطن بعدما تسلّم رئاسة الحكومة اللبنانية ليلة 23 ايلول 1988، مع بدء الفراغ الرئاسي وقتذاك.
كانت الخدمة معه مريحة عملياً وصعبة نفسياً، لأنه يتطلب الكثير الكثير لمساعدته في خدمة لبنان واللبنانيين. انتهت خدمتي في سفارة واشنطن في القضاء الأميركي مطالباً باعتراف الولايات المتحدة بشرعية حكومة الجنرال. مُنعت بعدها من العودة الى لبنان سنوات ثلاث.
بقيت على علاقة بالجنرال بعدما رجعت الى العمل في البنك الدولي في واشنطن، خاصة بعد انتقاله هو الى ضاحية باريس ومن ثم الى العاصمة الفرنسية. استمرت علاقتي معه منذ عودته الى لبنان في أيار 2005، وترسخت عندما بدأت مع بعض الأصدقاء نجتمع بالجنرال اسبوعياً. دعي الاجتماع لاحقاً «لقاء السبت»، وقد بدأ منذ حوالي ثلاثة أعوام. كان اللقاء بمثابة عصف فكري يتناول القضايا اللبنانية والإقليمية ومنها الرئاسة اللبنانية.
وجدت في الجنرال خلال معرفتي به القائد اللبناني الميثاقي، القارئ والمثقف والمتطلع والمفكر، الحواري والموجه، صاحب رؤية. المرن والعنيد. لا يخشى المواجهة اذا فرضت عليه، ولا يخاف الحرب اذا فشل الحوار والمنطق وهددت مصلحة لبنان العليا.
الجنرال قائد هادئ الى ان يُستفز او تجرح كرامته، وحواري متمرس الى حين غياب المنطق عن محاوريه.
الجنرال ميثاقي أصيل يؤمن بأن الميثاق الوطني أساس وجود لبنان، وأن استقرار لبنان ووحدته وازدهاره كلها مرهونة باحترام الميثاقية كعقد أساسي بين المكونات اللبنانية.
الجنرال يؤمن بالشراكة الوطنية الحقيقية، في كل الأحيان وأياً تكن العوائق، فلا استمرار للبنان من دون وفاق واتفاق ومشاركة كل المكونات اللبنانية في الشأن العام، كل مكون بحسب قدرته وحجمه وإمكاناته، فلا حقوق ناقصة او «مهضومة» لأي منها.
ثقافة الجنرال واطلاعه على مجرى الأحداث لا تتوقف عند حدود لبنان، بل تتعدى المنطقة الى كل حدث دولي قد يؤثر على لبنان وتطور الأحداث فيه. يعرف عن الأحداث في اليمن والعراق ومصر وليبيا والخليج، متعمق في معرفته في الشأن السوري ويفهم لعبة الأمم والصراع الدولي على منطقتنا.
انطباعي انه يريد علاقة وثيقة وخاصة مع سوريا. علاقة الند للند، ولكل من البلدين نظامه السياسي والاقتصادي. نقرر معا وبالحوار الإيجابي في الشؤون المشتركة، السياسية منها والاقتصادية، ونتشاور حول السياسات الاقليمية والدولية، لكن لكل قراره في مواجهة الأحداث الاقليمية من ضمن مفهوم السيادة والمصلحة الوطنية.
اعرف ايضاً ان الرئيس الجنرال يعتبر ان علاقة لبنان مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج يجب ان تكون دائما مميزة سياسيا واقتصاديا. المملكة حضنت لبنان منذ استقلاله وحضنت اللبنانيين في ازمنة الازدهار الاقتصادي والركود، ولم تمنع حرب لبنان السعوديين والخليجيين من الحفاظ على استثماراتهم وأملاكهم فيه، والمساهمة الفعلية بعد الحرب في اعادة إعماره.
يؤيد الجنرال حق الفلسطينيين الطبيعي في استعادة ارضهم المسلوبة وحقوقهم المشروعة في السيادة والحريّة والاستقلال. يعتبر ايضا انهم يستحقون الدعم العربي الشامل في صراعهم للوصول الى مبتاغهم بالكامل.
يتفهم الرئيس الجنرال كذلك أهمية اللاعبين الإقليميين وطموحاتهم، خاصة ايران وتركيا، في المنطقة العربية، ويعرف ايضا ان المواطنة الحقيقية والوحدة الوطنية تحد من التدخل الإقليمي والدولي في الشؤون الداخلية لكل من بلداننا العربية. كذلك، وبحسب تقديري، يهدف الجنرال الى تحييد لبنان عن الصراعات العربية والإسلامية في سبيل الحفاظ على وحدة لبنان وأمنه واستقراره وازدهاره.
انتخاب الجنرال رئيساً للجمهورية اللبنانية يأتي متزامناً مع الاتفاق في مجلس الأمن على أمين عام جديد للأمم المتحدة، المنظمة الدولية المعنية بلبنان مباشرة ومن خلال المشاكل الاقليمية، وبالأخص وجود قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان منذ عام 1978، ومنظمة الأونروا التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم بعد نكبة 1948، ومنذ العام 2011 الوكالة الدولية لغوث اللاجئين تساعد النازحين السوريين في كل أنحاء لبنان. الى ذلك، هناك منظمات الامم المتحدة الاخرى المعنية مباشرة بمساعدة لبنان واللبنانيين.
وقد يختلف بَعضُنَا على فعالية المنظمات الدولية وأدائها في لبنان، الا ان على لبنان، احد الدول الـ45 الموقعة عام 1945 على ميثاقها، ان يحاور تلك المنظمات ويتفق مع كل منها على برنامج عملها، وأن يرافق كل من مشاريعها منسق لبناني يتأكد من أن الأموال المخصصة تصرف لتنمية لبنان والمصلحة اللبنانية.
يتزامن ايضا انتخاب الجنرال رئيساً مع الانتخابات الرئاسية الاميركية في 8 من الشهر الحالي. بالاضافة الى العدد الكبير من اللبنانيين الاميركيين والمتحدرين من أصل لبناني، فإن الولايات المتحدة ما زالت منذ الاستقلال تساعد لبنان واللبنانيين عسكريا واقتصاديا وتربويا، وهي اليوم تدعم وتساعد قوى الجيش والأمن في حربها على الارهاب الذي يهدد أمن لبنان والمنطقة واستقرارها.
المشاكل التي تواجه عهد الجنرال كثيرة ومنها مؤجل منذ حرب 1975. يكفي هذا العهد ان يحقق الشراكة الحقيقية في الحكم لأنها مفتاح حل كل المشاكل الأخرى، تقوية القوى العسكرية والأمنية والقضاء على الإرهاب في كل لبنان، توفير الكهرباء والمياه 24/7، تنظيم السير الذي في وضعه الحالي يعطي انطباعاً سلبياً لزوار لبنان وسياحه، وتحييد لبنان عن الصراعات العربية والإسلامية.
عندها نقول شكراً جنرال ومن الله التوفيق.
المصدر: السفير