لعلها و لأول مرة نرى أعلام تيار المستقبل، القوات، الإشتراكي، حزب الله و الوطني الحر جنباً إلى جنب منضويةً تحت العلم اللبناني في ساحة الشهداء حاميةً للعهد و لموقع الدولة الأول. إن وصول العماد عون برضى وطني أولاً و رضوخ دولي للإرادة اللبنانية ثانياً يعطي الرئيس العتيد هامش تحرك واسع في معركة بناء الدولة كما أن امتلاكه لكتلة نيابية عريضة و لوزراء في أي حكومة جديدة سوف يكرسه شريكاً فعلياً في الحكم قادراً على إدارة و حسم معضلة قانون الإنتخاب، النازحين السوريين و المخيمات الفلسطنية. لن يكون هذا العهد مثل العهود السابقة، فبعبدا أمست موجودة على الخارطة السياسية من جديد كما إن العبور إلى الجمهورية القادمة و إلى الدولة و المؤسسات يلزم الجميع بالتعاون و يضع كل من رئاستي المجلس النيابي و الوزاري أمام مسؤولياتهما لأن الرئيس و مهما كان قوياً لا يمكنه أن يحكم منفرداً.
على الجميع اليوم أن يشاركوا في بناء الدولة مثلما امتلكوا جرأة الترشيح و الإنتخاب لأن لبنان الذي بلغ حافة الهاوية إقتصادياً، إجتماعياً و سياسياً أمام خيارين لا ثالث لهما، الخيار الأول يتمثل بالإقتناع و التسليم نهائياً أن لبنان بلد المناصفة و الشراكة، بلد العيش المشترك، بلد المؤسسات و الدولة، بلد القضاء و القوانين، بلد قادر على النهوض و القيامة، بلد الميثاق الوطني و الحوار، بلد الرحابنة فيروز و جبران خليل جبران، وطناً يمتلك إرثاً ثقافياً، تاريخياً و أدبياً عظيماً و بالتالي يمسي عبوره نحو جمهوريةٍ تشكل هويتها اللبنانية دين الدولة الرسمي و طائفتها الوحيدة إلزامياً و عندئذ نبني وطناً يطمح إليه الشباب اللبناني و يحفظ كرامة مواطنيه جاعلاً انتمائهم إليه محط فخرٍ و إعتزاز.
أما الخيار الثاني؟ فهو خيار إستكمال مسارنا الانحداري الإنتحاري و القضاء على بقايا وطن مكرسين التقسيم في منطقة أصبح تقسيمها روسياً – أمركياً محتماً و بهذا نكون قد مشينا نحو المجهول، نحو إنحلال الدولة نهائياً لنصبح نموذجاً عراقياً ثانياً غارقين في الحروب الطائفية و التطهيرات المذهبية و اللااستقرار. إن الاختيار ليس ملك العهد الجديد بل هو خيار جميع اللبنانيين، جميع المسؤولين و القيادات، فإما نستفيد من العهد الجديد و نعمل جميعنا على مشروع لبناني بحت و إما نقتل عهداً واعداً و قادراً على تحقيق المستحيل في حال تعاون الجميع لإنجاحه.
إن لبنان يا أصدقاء لا يمكن إلا أن يكون للجميع بعد أن اثبتت كل التجارب السابقة منذ العام ١٩٥٨ أنه لا يمكن لطائفة و مهما بلغت من قوة عسكرياً و سياسياً أن تلغي طائفة أخرى و أن الأديان قد توصل إلى جهنم إذا ما قدر لها دخول المعترك السياسي و أن الطوائف قد تهدم بلدٍ و تدمر أمة إذا سفكت يوماً دماء الإنسانية بإسم الدين. ها هو النموذج الأوروبي الذي نطمح جميعاً إلى إمتلاك جواز سفره حياً يرزق، لم تخرج أوروبا من انحدارها إلا بعد فصل الدين عن الدولة لذلك دعونا نطمح جميعاً إلى عهد جديد بعيداً عن الطائفية التي اتعبت كياننا اللبناني و لطالما شكلت أساس مشاكله.