– من الإعتراف بدير القديسة رفقا الى حلمٌ إبنٍ وتواصل مع “المُجهَضَة” من 25 سنة
***
شقاء الحياة حتى الممات ولا عذاب الضمير لحظات (قصة إجهاض)
الإجهاض المؤلم
سنة 2015 كانت سنة مفصلية في حياتي، سنة عرفت فيها بوجود إبنةٍ لي:
لم أكن أعرف بوجودها ، لطالما بحثتُ عنها في أفكاري ولم أجد لي جواباً.
كل ما كنت أفكّر فيه، وكان يشغل بالي وفكري وقلبي على مدى 26 عاماً تقريباً.
كلّ الأسئلة التي كُنتُ أطرحُها على نفسي وكنتُ أشغلُ بالي بها علّني أجدُ لها أجوبة (كل ذلك الوقت).
على مدى 26 عاماً لم أستطع النسيان، لم أستطع التوقّف عن التفكير وعن سؤال نفسي، وكنت أسأل ربي المسامحة والمغفرة.
كان عذابي قوياً ونَدمي أقوى. كان شوقي قويّاً جداً. بحيث لم أستطع أن اعيش بفرحٍ تامّ. لم يكن ينقصني شيء في هذه الدنيا.
كانت حياتي رائعة. منذ كنت في بيت أهلي وحتى بعدما أصبح لي عائلة صغيرة. ربّي أكرمني بعائلة دافئة وهنيّة. الشكر له دائماَ.
كانت غلطتي أمامي في كل حين. كنت ضحيّة حيّة، وكانت ابنتي الضحيّة الحقيقية، والحقيقة التي تجلّت بعد عمر.
كنت ضحّية الجهل والحسد والغيرة التي أحاطتني فجأة. لقد قوي الشرُّ من حولي وعدم الأمان والخوف على أولادي الثلاثة الصغار جداً.
شوّش فكري ، لم أحتمل فكرة أن يصيبني مكروه وأتركهم للحياة صغاراً لا يقوون على شيء.
في لحظة ضعفٍ استسلمتُ لفكرة التخلّي عن الجنين. بما هو ليس بشيءٍ ملموس بعد، ربما هو شيء لم يتكوّن بعد، ربما هو شيء صغيرٌ لم اتعرّف عليه. ولكن في نفس الوقت كنتُ أحسُّ به، وأعرف أنّه الحلّ الوحيد الذي عندما علمتُ بوجودِه غمرتنني الفرحةُ والسعادةُ التي لم أحسّ بمثلها ولا بأي حَمْل.
كنتُ أتخيّل: ربما يكون شخصاً مهماً في المستقبل. اتخيل نفسي وأنا أقول له: تخيّل كنتُ سأتخلى عنك ولكن الحمدُ لله لم أفعل.
راودتني هذه الأفكار ومع ذلك تملكني الخوفُ وضعفُ الإيمان. لم أتّخذ قراري بحزم. أخذتُ القرار نتيجة خوفي ومحبتي التي لا توصف لأولادي الثلاثة.
أولادي الذين كانوا وما زالوا الأولوية بحياتي وكانوا كلّ شيءٍ جميلٍ فيها. فضحيّتُ رغماً عنّي به. ولكن كنتُ أصلّي وأطلبُ من ربي ومن أمي العذراء مريم وأسألها إذا كنتُ أخطئ بخطوتي هذه. أرجوكِ امنعيني بأيّة طريقةٍ لو سمحت، حتى ولو بحادثِ سيارة يُرجعني الى بيتي وأولادي وأكمل حَملي بسلام.
لكن مشيئة الله كانت أن أتخذ أنا قرار الرفض بنفسي بما أنّني ابنة الكنيسة وإيماني كان قوياً منذ صغري وأتكل عليه تعالى وعلى أمي العذراء مريم.
تعّودت أن أتكّل عليها بكلّ شيء، فكانت ترافقني منذ صغري وكنتُ أحسُّ بمحبتها رعايتها لي. كنتُ متردّدة قبل أن أتخلّى عن الجنين، لكن تردُّدي كان هدّاماً، وأحسستُ بالندم بعد أن استفقتُ من البنج لأنني لم اكن مُقتنعة ولا راضية عمّا فعلت.
بدأت قصتي منذ ذلك الوقت.
– كيف قبلتُ بذلك؟
– كيف انجررتُ الى هذه الخطيئة؟
– كيف ضعفَ إيماني؟
حاولتُ أن أتكيف مع حياتي الجديدة التي لطّختُها بخطيئة لا تُغتفر. أنا التي عاشت حياتها من دون أن تؤذي حشرة، عاشت حياتها بالمسامحة والمحبة والمغفرة لمن يخطأ إليها ولا تحاسب على شيء. تترك من حقّها حتى تُرضي من حولَها.
عوّدتُ نفسي أن أتحمّل الإساءة لأنني كنتُ سأتعب كثيراً لو عاملتُ من يُعاملُني بالمثل. تعلمّت المسامحة والمغفرة. كنتُ أفضّلُ أن أكون مظلومة لا ظالمة وكنتُ أقابل الإساءة بمحبة ومغفرة. كانت قناعتي وتربيتي تفرضان عليّ ذلك. أقول يجبُ أن يتعلّم منّي الغير على الخير لا أن أحارب الشرّ بالشر، ربما أؤثر على الذي يُعاملُني ببغضٍ فيتعلّم منّي المسامحة والمغفرة، ربما يقتنع ذات يومٍ ويفهم أن ليس للشرّ طريق اليّ.
حاولت أن أنسى.
الحقيقة شيء غريب جداً. الرابط القويّ بيني وبين الجنين لم ينقطع. لم أقوَ على النسيان، شيءٌ ما يجمعني به كأنه موجود. صلة الأمومة لم تنقطع.
أحسُّ به طوال الوقت. هذا الرابط القوي لم يمت، لم يزل لم ينتهِ، ولم أستطع تجاهله. الآن عرفت لماذا؟ لأنه موجود!!
هذا الشيء الذي لم يتكوّن، بلى قد تكوّنَ ولهُ وجود وأنا أمُّهُ وهو قِطعَة منّي. أحسُّ به وهو يحسّ بي.
أنا أطلبُ منه السماح والمغفرة التي طلبتها من قبل الى ربّي. أخذتني الأيام وانصرفتُ الى تربية أولادي.
لكن بعد 3 سنوات وصلت أختي الكبرى وعائلتها الى البلد الذي كنّا نعيش فيه مع زوجي وأولادي الثلاثة وأهله.
ولأن غلطتي كانت ثقيلة جداً، لم أستطع حملها لوحدي وكنتُ في بلدٍ بعيدٍ جداً عن بلدي الأم، وعائلتي كانت بعيدة جداً بالمسافة ولم يكن هناك سهولة الإتصال بهم فأحسستُ بالأمانِ بوجود أختي بجانبي، فاعترفت لها ما حصل علّني أرتاح ولو قليلاً من عذاب ضميري.
بعدها أخذت أختي تُقنعني بإنجاب ولدٍ جديد. فكان لنا أن انجبنا ولداً صبيّاً وهذا الولد الصبي غيّر كل حياتنا. أدخل الفرحة الى البيت كلّه.
أشكر ربّي وأحمده على كلّ شيء. كنت أعيش وزوجي حياةً جميلةً هنيّة من أول الطريق فهو شخص رائع يحلو العيش معه. لم يتدخل في قراري بالتخلّي عن الجنين. فترك لي الخيار مُعتبراً أني أنا التي ستحمل وأنا التي ستنجب، فلم يُقنعني بشيء. فكان أن جرى ما جرى.
على مدى 26 عاماً كنتُ أطرح الأسئلة على نفسي ولا أجد لها جواباً. أهم سؤال كنت أسأله لنفسي، ماذا كان هذا الجنين: صبي أم بنت؟
ولكن الحقيقة تقال إنني في قرارة نفسي كنت أحس أن الجنين كان ابنة. ولكن من أين لي أن أتأكد من هذا الأمر؟
عندي إبنة وثلاثة شبان الله يحميهم.
كانت ابنتي تبكي وتسألني أن أنجب لها أختاً بعد أن أنجبت صبياً، فكنتُ، كلّ مرة تسألني فيها عن أخت، أقول في نفسي: تخليت عن البنت، عن الأخت التي تريدينها. كنت أحسُّ بأنها إبنة ولكن بالنسبة لي كان مجرَّد شعورٍ لا استطيع تأكيده.
كنتُ أسألُ نفسي دائماً هل من الممكن أن يكون لهذا الشيء الصغير روح، أم لم يكن بعد فيه روح؟ وأتساءل:
– بحال كان فيه روح، فأين هي؟ كيف لي أن اعلم؟
– هل هذه الروح انتقلت الى السماء؟ عادت الى خالقها؟
– هل هذه الروح أرسلها لي الله من جديد عندما أنجبتُ ابني الصغير؟ فأكون بذلك لم أخسر شيئاً، سأحسّ بالأمان والراحة إذا كان الأمر كذلك.
أُعاتب نفسي:
– كيف أتخلّى عن قطعة منّي وأرميها؟
– كنت أفكّر، لربما هو تفكير سخيف بالنسبة للبعض لكن تفكير الأم، وإحساسها يختلف عن باقي البشر: ربما أخذت منّي هذه القطعة وزُرعت في غير أمّ!
إذا كان الأمر كذلك فانّ ابنتي في مكانٍ ما في هذه الدنيا وأنا لا أعلم، ربما هي موجودة. وهذا شيء كان يؤلمني لأن أصعب شيء كنت أفكّر فيه وأخاف منه: أن يغيب عن ناظري أيُّ ولدٍ من أولادي أو أضيّع أحداً منهم لا سمح الله.
لذلك لم أوليَ أمرَ أولادي الى أحد. كنت حاضرة معهم كلّ الوقت لا أفارقُهم وكان هاجسي أن يكبروا وأعلّمَهُم حماية أنفسهم وتعلُّم الحياة.
مرّت الأيام وأنا مُنصرفة فيها الى تربية أولادي. ساهرة على كلّ شيء يخصُّهُم، الشك لله الذي أعانني وزوجي وأولادي كل هذه السنين. فكنّا العائلة المسيحية التي تخافُ الله وتعملُ بمشيئته.
على مدى 26 عاماً كنت أصلّي وأسأل الله مسامحتي على ما اقترفتُ من ذنب. فإنني من صغري لا احتمل أن أُخطئ، كنتُ أترُك حقّي وأدفن في قلبي كل ما يُزعجني.
كلما كنتُ في بلدٍ ومررتُ بجانب كنيسةٍ أدخل إليها وأصلّي وأسأل ربّي المسامحة.
كنتُ أتناولُ القربان المقدس ولكن كنتُ أطلبُ السماح من الله قبل أن أتناوله لأنني لم اقوَ يوماً على الإعتراف.
كنتُ أدركُ أنّه يجب عليّ أن أعترف ولكن لم أجد الجرأة، كلّ مرَّةٍ كنت أنوي فيها الإعتراف كنتُ أخجلُ من نفسي. وماذا سأقول؟
مرّت السنين وعدتُ إلى وطني لبنان وعشتُ فيه مع عائلتي وكبرَ أولادي بمباركة ربي وإلهي لأنني كنت اوكلهم إليه وإلى أمي العذراء.
كنت أصلّي دائماً من اجلهم وكنت اسلمّهم الى أمنا العذراء مريم لأنها هي أمي وامّهم وهي القادرة على حمايتنا جميعاً.
إلى أن جاء يوم 4 نيسان 2015 وكان نهار سبت النور، ذهبت مع زوجي وابني الصغير إلى ضريح القديسة رفقا في دير ما يوسف – جربتا لنصلّي. فوصلنا باكراً ودخلنا الكنيسة ولم يَحن وقتُ الصلاةِ بعد.
بينما كنّا ننتظر، أتى الكاهن ليقول للناس أنه يوجد كاهن في كرسي الإعتراف، لمن يريد أن يعترف. هذا ما كنت أنتظره. فتسلّحتُ بالشجاعة لأنني أعلم أن الإعترافَ في هذا الوقت بالذات ضروري.
استجمعتُ قوايَ وانتظرتُ دوري. فكان لي ما كنتُ أنتظر: أعترف ربما أرتاح قليلاً من عذابي. فجأةً كان منَ الكاهن إلاّ أن سألني تاريخ ميلادي؟ فأجبته.
قال لي: اليومَ وُلدتِ من جديد!!! فكّرتُ كيف يمكن أن أولد من جديد!!!
طلب منّي أن أنزل الى مزار القديسة رفقا وأحصل على كتاب الرحمة الإلهية وأصلّي التساعية.
سبقَ أن صلّيتُ هذه التساعية وأعرف أن الربّ يفيض في هذه الأيام نِعَماً على البشر. عملتُ مثلما قال لي الكاهن وعُدنا الى البيت. كانت هذه التساعيّة تبدأ نهار الجمعة العظيمة. وبما أننا يوم السبت، فصلَيتُ عن يومين وأخذتُ أصلَيها كلَّ يومٍ إلى أن انتهيتُ. يوم الأحدِ الجديد في 12 نيسان حيثُ عيد الرحمة الإلهية. وكان كلُّ شيءٍ عادياً.
رؤية الإبن
في اليوم التالي يوم الإثنين 13 نيسان 2015 وفي وقت الغداء، كنّا وحيدين أنا وابني الصغير ونحن نتناول الطعام وكان كلُّ أفراد عائلتي مسافرين كُلٌّ في عمله.
سألني ابني الصغير: أمي هل كان مفترضاً أن يكون لديك إبنة؟
تسمرّتُ على الكرسي وأجبتُهُ نعم ربما!!! ما الأمر؟ قلي لي؟
قال لي سأخبركِ بما حلمتُ مرّةً واحدة، سأقولُ لكِ كُلّ شيء ولا تسأليني بعدها.
كان متأثراً جداً بما رأى في الحلم.
حلمتُ أنني جالسٌ على صخرةٍ وكان بجانبي فتاة جميلة جداً تتكلّم على الهاتف النقّال. لفتني جمالها شعرها طويل فيه جعدة وتلبس فستاناً حتى الركبة من قماشٍ يشبه التُّول لونه أزرق فاتح. لكنّها واقفة وقفة تُظهر جانبها.
أحسّ تُجاهها إحساساً قويّاً وأحسّ بمحبة قوية لهذه الفتاة. لكن هذا الإحساس لم يكن إحساس حبٍّ لفتاة، حبٌّ قوي، حبٌّ أخٍ لأخته، لكنّه حتى هذا الوقت لم يفهم شيئاً.
ما إن أنهت مكالمتها، وبما أنّه ينتظرها ليحدّثَها فكانَ يراقبها، فما إن إنتهت من المكالمة، حتى رأى صورة خاله المتوفي منذ 4 سنين على هاتفها. فدُهشَ لِما رأى وسألها: توقّفي! ما هذا!
أجابته ما هذا!
قال: هذه الصورة؟ لماذا هذه الصورة على هاتفِك؟ أجابته: إنه خالي أنطون.
فأجابها بتعجُّب: إنه خالي أنا.
فسألته عندئذٍ: ما اسمُ أمِّك؟
فأجابها ندى.
فقالت له: أنا اسم أمّي ندى.
عرّفتهُ عن نفسها وقالت أنَّ اسمها إيمّا .
ثم جاءها أولاد كثيرون صغار والتفتوا حولها وكأنها هي مَن تُعنَى بهم فأخذتهم وصعدوا جميعاً في باصٍ ومضوا.
عاد وقال لي إنها جميلة جداً، رقيقة، عمرها 25 سنة وجعلته يحسّ بأنها مرتاحة وسعيدة حيث هي.
من هذا الوقت بدأ عذابي وحسرتي على خسارتي الكبيرة. حسبتُ عمرها لو أنني أنجبتها، لكان عمرها الحقيقي 25 سنة والتاريخ الذي ظهرت فيه 12 نيسان أقرب أن يكون يوم عيد ميلادها على الأرض لو احتفظتُ في أحشائي.
الحقيقة المرّة
12 نيسان 1989 بكيت بكاءً مرًّا ، استسمحتُها ولكن لم أسامح نفسي. حدَّثتُها كثيراً وكنتُ أعتذرُ منها وأقول لها إنني الخاسرُ الأكبر. أندمُ لأنني لم أنجبكِ، يا حبيبة قلبي يا قطعةً من روحي ومن جسمي.
أنتِ في بالي لم تغيبي عنّي، لم أنساكِ، لم أتجاهل وجودكِ، كنتُ احسُّك وأتحسّرُ على فقدانك.
أنا التي تعرفُ الأمومة، أنا التي تحبُّ أولادها بجنون وتعتبرُ كُلَّ ولدٍ جوهرة ثمينة، أنا هي التي تبدأ الحياة عند أولادها وتنتهي الحياة عندهم.
أنا التي أضاعت جوهرة ثمينة من يدها وتتحسّر عليها، كيف لي أن اعيش بسلام بقيَّة حياتي فأنا دائمة الشوق إليكِ، أصبحتُ أعرفُكِ الآن وتعرفيني.
أنا أحدِّثكِ وأناديكِ دائماً، أُغمضُ عينيَّ لأضمَّكِ إلى صدري الذي حُرمَ منك. آه ما أغناني لو كنتِ بقُربي مع عائلتك وإخوتك، فأفرح فيكِ أيضاً. أنت ابنتي التي أفتخر فيها..
أشكر أمي العذراء التي ربَّتكِ وسهرت عليكِ لتكبري بالنعمة، هي التي احتضتكِ وسهرت عليكِ حتّى كبرتِ واصبحت فتاةً جميلة، ملاكاً بريئاً ظَلَمتهُ الدنيا من خلال أمِّكِ. ضحّيتُ بك، ضيّعتك، لكنك موجودة والآن أعرفك وأريد أن يعرفكِ كل الناس.
كان لك الحقّ بالعيش، سامحني ربّي، انت منحتها الحياة وأنا حرمتُها منها بشبب ضعفي وخوفي.
سامح ربّي كلَّ من كان سبباً في فقدان جنين. على العالم أن يعي أهميّة الجنين وحقّه في العيش. ما يمنحهُ الله لا يمكن لأيّ إنسانٍ أن يحرمهُ منه.
تعلمينَ يا حبيبتي أنني أحسست بسعادةٍ وفرح عندما علمتُ بحبلي فيك، لم أحسّ هذا الفرح الاّ فيكِ، رغم أنّني أنجبتُ إخوتك، أنتِ الوحيدة التي غَمرتني الفرحةُ عندما عَلمتُ بوجودكِ ولم يكن يشغلُني أي خوف.
لكن فرحي هذا نسيتهُ ولم أنتبه أنّه مبارك، فتملكني الخوف لأنني كنت أحسّ أنني سأدفع ثمناً غالياً مقابل ما أعطتني إياه هذه الدنيا، أعطتني حياةً جميلة في بيت أهلي وطفولة هنيئة وأمينة، ومن ثمّ أعطتني زوجاً وأولاداً رائعين.
ولأجل ذلك وحتّى لا افقد ما أنا عليه ويؤخذَ مِنّي ما هو لي ضَحَّيتُ بِكِ، ومع ذلك خَسرتُ خسارةً كبيرة.
عُذراً حبيبتي سامحيني.
سامحيني لأني استسلمتُ لضعفي.
سامحيني لأني استسلمت لظروفي الصعبة.
سامحيني لأني تخَليتُ عنك.
سامحيني لأني لم أتسلّح بالشجاعةِ الكافية.
سامحيني لألفِ سببٍ وسبب.
وصيّة الأم المتألمة
إلى امهات المستقبل هديّة من السماء؟ من الله؟
بتعرفي قيمتها؟ فيكي تقَدّري غلاوتها؟ هديّة خصّك فيها الباري، حْمليها بكل فخر وحبّ وإيمان وشكر (للعاطي الكريم).
اقبليها بكلّ اعتزاز ولا تتخلّي عنها تحت أيّ ظرف، مهما كانت الظروف الصعبة. شو ما قالو العالم، هيدي هدية إلك، ما ترفضيها. ربّك وَهَبِك إياها، اقبليها وافرحي فيها، وما تسمحي لحدا يسرق منك الفرحة ويسرُق منِّك الإيمان والنعمة.
افرحي لأنك جديرة بالهديّة وما ترديّها. اللي هداكِ هالهديّة الغالية رح يساعدك ورح يسهّل طريقك ورح يكون حدّك وحدّا.
هدية غالية، رح يسهر عليكِ وعليها. رح ينوِّر طريقك وطريقها. (دير مار يوسف جربتنا – ضريح القديسة رفقا)
***
ليسَ الجنينُ كتلةٌ من لحمٍ ودمّ،
بل يأخذُ منذ تكوينه في أحشاء أمِّه صورة الله،
على حدِّ قول الربّ للنبي إرميا: “قبل أن أصوّركَ في البطنِ عرفتُكَ، وقبل أن تخرجَ من الرحمِ قدَّستك وجعلتكَ، نبياً للأمم” (إر 1: 5).
وفي السياق عينه، يقول صاحب المزمور: “رأتني عيناك جنيناً، وفي سِفرِكَ كُتبت جميع الأكوان وصُوِّرت أيامها قبل أن يكون منها شي”. (مز 139: 16).
إنّ الجنين الذي يُقتل زعماً بأنَّ تكوينه لم يكتمل بعد، إذ هو مجهولٌ وأعزل؛
هو صورة الله “الذي لا يُرى” (1 طيم 1: 17)،
وبالتالي هو جديرٌ بأن يوجد ويحيا وينمو “إلى ملء قامة المسيح” (أف 4: 13).
فلا يحقُّ لأحدٍ أن يضع حدّاً لحياة الإنسان، ولا أن يسبُرَ أعماقه، إلاّ الله وحده….
( الأم ميلاني مقصود – رئيسة دير مار يوسف ، جربتا ، ضريح القديسة رفقا )
@رصد Agoraleas.com