– أنا ربيب بيت دفع الغالي والرخيص قتلاً في سبيل الحرّيات، ومنها نسف بيت أهلي على رؤوسهم…
***
خلال حكم الشهابية في عهد الرئيسين فؤاد شهاب وشارل الحلو المعروف عنهما نظافة الكفّ، تمكّن المكتب الثاني وهو جهاز المخابرات في تلك الفترة بقيادة الثنائي “أنطوان سعد ” و “غابي لحّود “، و اللواء “سامي الخطيب ” وهو ما زال حيّا وشاهداً حتماً على تلك الحقبة، وكان من ضمن المجموعة التي كانت تكيل الكيل للصحافيين ، وتقمع الحرّيات الإعلامية بطريقة موجعة، وقد كانت جريدة النهار في مقدمة المعارضين، وكان الاستاذ “غسان التويني “، وشقيقي الأكبر “إلياس الديري “.. من زوّار السجون بعد كل مقال يهاجمان به نهج وخطّ العهدين، لكن لم يتعرّض أي ّمنهما لشخصيّة الرئيسين، وكانت تعتبر معارضة سياسيّة بامتياز، وكانت في حينه جريدة النهار في عزّها، مما دفع الرئيس عبد الناصر لتغيير موعد إقلاع الطائرة المتوجّهة إلى القاهرة، حتى الرابعة فجراً، لتكون صحيفة النهار ذاك اليوم على مكتبه في السابعة صباحاً .
لماذا هذه المقدمة وأنا ربيب بيت دفع الغالي والرخيص قتلاً وتشريداً وتفجيراً في سبيل الحرّيات، ومن بينها نسف بيت أهلي على رؤوسهم وهم نيام، من قبل بعض الرعاع الاشرار.
لهذا أجد أنّ الحريّة مقدسة جدّاً بالنسبة لي، ولو كنت في بيروت اليوم، لشاركتُ في التحرّك ضدّ قمع الحرّيات، لكن هذا لا يمنع أن أسال، ما الذي دفع الإعلامي مرسال غانم لاستضافة صحفيين سعوديين مغمورين في عزّ الأزمة التي كادت، أن تُدخل البلاد في المجهول لو نجحتْ مخططاتهم، وهو الإعلامي المخضرم ذو الباع الطويلة، في العلاقات العربية، ولماذا لم يردّ عليهما الردّ اللازم عندما تطاولا على المسؤولين في الدولة، وهو يعلم علم اليقين لو حصل هذا التصرّف، مع مقدم برنامج في أيّ دولة من دول العالم، كان حرياً به ألا يسكت للضيف الذي يستحق التوبيخ على كلامه، أو على الأقل ومن الممكن جدّاً أن تلغى متابعة المقابلة، وهذا أبسط الإيمان، فنظام الدولة التي ينتمي إليها الضيف لو حصل على أحد شاشاتها نصف ماقيل على شاشة ال lbcK لدفع المذيع وكامل فريق العمل الثمن باهظاً جداً، و أقلّه الرفد المباشر، وهذه الحوادث موثقة في الإعلام السعودي عندما هاجم أحد المتصلين وزير الاقتصاد، فقطع البثّ مباشرة وتمّ طرد كامل فريق العمل دون تردد في القناة الأولى عام 2011.
وهذا من المتعارف عليه بجميع وسائل الإعلام إذ أنه في الدول الحضارية لا يقبل مقدّم البرنامج أن يُهاجَم رؤساءه بهذه الطريقة وإن أخطأ فالجماهير الغاضبة والمستنكرة جاهزة كلّ الجاهزية لرميه بالبيض في الْيَوْمَ التالي.
“مرسال غانم ” لم يفعل ما كان يتوجّب عليه القيام به وهنا السؤال الملحّ لماذا؟
وهو الإعلامي المعروف، وليس ذلك فقط، لكنه في مقدمته الشهيرة بنرجسيته المعلومة لدى الجميع، اعتبر نفسه فوق المساءلة.
أستاذ مرسال، أذكر جيداً حين كانت والدتي رحمها الله تجهّز “حقيبة السجن ” بعد كل مقال يهاجم به شقيقي إلياس الديري نهج رئيس الجمهورية، لكن لم أسمعه يوماً، يقول أنه فوق القانون، وكان يسجن هو والأستاذ غسان التويني، حتى من دون المثول أمام القضاء.
لقد أخطأتَ ياعزيزي مرسال مرّتين، والرجوع عن الخطأ فضيلة.. وهذا الموقف الذي ننتظره منك، لن ينقصك شعبيتك ولن يقلل من ألقك ولن يزيح عنك وهجك، بل على العكس تماماً.
ورغم كل ما ذكرت أعلاه…. فإنني أؤكد وأكرر وأعيد “أنا مع حريّة الإعلام ” لأنّنا قدّمنا كل ما نملك في سبيله.
غسان الديري / قاض وروائي وقنصل لبناني – في سفارة لبنان USA – طرابلس