يحار المرء وهو يقلّب يوميات وطنه كيف يمكن لفكر ميليشوي أن يداهم أعرق الصروح التربوية وأقدسها بنياناً لأجيال وطنية نصب عينيها طي صفحات الحواجز والاستبداد، فيطلّ بين غبار الماضي من يترأس ويدير ويعيّن ويشطب وكأن التماثل اللغوي بين دكتور ودكتاتور أُنزل له وعليه.
لم تنتهي بعد مفاعيل إنتخابات مجالس الوحدات والفروع والأقسام وممثلي الأساتذة في كلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، والتي حدد عميدها المتسلّط بالتكليف الدكتور خليل فغالي، تاريخ إجرائها في 12 تشرين الاول 2017 المنصرم.
ما زال الدكتور فغالي متربعاً على صهوة هيمنته، محاولاً حتى اليوم الإطباق على الكلية بفروعها الستة، لتأمين وصوله الى العمادة بالأصالة، وذلك عبر الإمساك بمجلس الوحدة، ومجالس الفروع في الكليات، وصولا الى تأمين إنتخاب مدراء موالين له.
آخر غيض من فيض المحاولات هذه كانت: الاستنسابية في الدعوة الى الترشح وانتخاب رؤساء أقسام في كلية دون اخرى، وذلك بعد طعون وطعون مضادة.
بالإضافة إلى ذلك، وصل الأمر به إلى حدّ طلب إجراء تعديلات على لوائح الشطب في كلية معينة، كي يحول دون وصول رئيس قسم لا يرغب في وصوله، في سابقة مضحكة بقدر ما هي مفجعة. فمن ورد اسمه على لوائح الشطب المعدة لانتخابات 12 تشرين الاول يُسحب اسمه من لوائح الشطب اليوم بغية منعه من الاقتراع.
بالنسبة لفغالي، فإن إزدواجية المعايير بين كلية واخرى، وبين قسم واخر، قانونية عندما تؤمن وصول من يريد، والكيل بمكيالين أولوية لديه عندما يخدم مصلحته الشخصية التي ما برح يبدّيها على مصلحة الكليّة. فغايته، بكل بساطة تبرر وسائله.
في قراءة بسيطة في الإنتخابات وفصولها، يأخذ المرء فكرة واضحة عن فوقية العميد بالتكليف واستبداده في وضع يده على الكلية ومحاولة حذف كل من يخالفه في الرأي؛ فتبين النتائج بحسب الكتاب رقم 212/ ص تاريخ 6/ 10/2017 الموجه من عميد الكلية الى مديري الفروع قبل إجراء هذه الانتخابات ما يلي: من أصل48 رئيس قسم وممثل اساتذة في 6 كليات تم عدم قبول 21 مرشحا”، وفاز بالتزكية 17 مرشحا”، وسيخوض 7 الانتخابات في حين لم يترشح سوى اثنين وتم سحب مرشح واحد.
عليه، تكون النتائج المعلنة قبل اجراء الانتخابات كما يلي: 17 فائز بالتزكية، وتكليف 24 استاذ لملىء المراكز الشاغرة.
هذا الوضع الهمايوني الهجين ادى الى عدد من الطعون والطعون المضادة التي لم تنتهي حتى اليوم، ما رتّب تأخيراً بصدور قرار تشكيل بعض مجالس الفروع .
متجاوزاً كافة الأصول الوظيفية والتربوية، يعتمد الدكتور فغالي الأساليب الأوتوقراطية للوصول إلى مراده: فبالتزكية والتكليف يحاول تحقيق ما يريده، فيشكل مجالس الاقسام مستخدماً تلك الأساليب الملتوية.
التزكية، بمفهومها المعروف أنه وليد التوافق والإجماع، يحرّفها كيفما شاء هواه، فيعلنها أداة للتعيين المسبق، وإليكم الطريقة: يقوم فغالي بالضغط على بعض الأساتذة وتهديدهم بفتح وتركيب ملفات واشاعة اجواء معادية للبعض عبر اعتماد النميمة، ورميه تهديدات مبطنة لكل من يتجرأ على الترشح، لإلغاء ترشيحه بحجج واهية.
دأب فغالي تسيير انتخابات معلبة اقرب الى التعيين على قياس أطماعه وأهوائه. اما التكليف، فسيأتي حسب إرادة العميد واسماء من سيكلف معروفة مسبقا”.
السؤال الذي يطرح ويجيب نفسه: هل هي انتخابات معلبة؟ هل هي انتخابات محضرة بطريقة مدروسة لتأمين وصول مجالس فروع تنصاع لأوامر العميد المكلف؟
الجواب: نعم مدوية!
بالإضافة إلى ذلك، هل يتم توزيع ساعات ونصاب الاساتذة كي ينتخبوا من يريده العميد ويقطع الطريق على من يخالفه في الرأي والتوجه؟
هل السياسة الالغائية التي ينتهجها العميد منذ وصوله الى العمادة بالتكليف تخدم مصلحة الكلية؟
يقول مطلع نشيد الجامعة اللبنانية: “إلى العلى دعوتنا وقلبك يضمنّا وحضنك حمىً لنا فأنت أمّنا…” عسى أن يستلهم أصحاب النفوذ وذوي الحكم العادل علّة وجود جامعتنا الوطنية المرموقة السمعة عالمياً، قبل أن تلطّخها قلّة مشاغبة أنانية لا يهمّها لا مؤسسة أمّ ولا أمة مؤسِّسة.