في وقتٍ استعاد لبنان عافيته بعد الأزمة التي ألمّت به جراء احتجاز الرئيس سعد الحريري في الرياض من خلال إحياء التسوية السياسية وتكوين مظلة استقرار إقليمية ودولية مهّدت لانطلاقة مثمرة لمجلس الوزراء على الصعيد النفطي. وفي حين شكّل لبنان الرسمي والشعبي والمقاوم رأس حربة المواجهة للقرار الأميركي بشأن القدس، حاولت السعودية من جديد بث الفتنة والتحريض بين اللبنانيين لتخريب الساحة الداخلية في انتهاك واضح لبيان مجلس الوزراء الأخير حول النأي بالنفس.
فبعد كفّ يد وزير الحرب السعودي على لبنان ثامر السبهان، أطل وزير خارجية النظام السعودي عادل الجبير مطلقاً مواقف عن أزمة اعتقال الحريري و«التسوية المعدلة»، متهماً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحزب الله بمنع رئيس الحكومة من الحكم، في تدخلٍ سافر في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويُعدّ أيضاً خرقاً لبيان الحكومة الأخير حول النأي بالنفس، فهل سيسجّل رئيس الحكومة إدانة لهذا الخرق الواضح والفاضح ويدعو النظام السعودي الى وقف تدخله في الشأن اللبناني، كما أعلن إدانة جولة وتصريح القيادي في الحشد الشعبي العراقي قيس الخزعلي، وكما يفعل عند أي تصريح إيراني أو سوري بشأن لبنان؟
وقال الجبير في تصريح: «دعمنا الرئيس الحريري عندما كان رئيساً للوزراء، عندما شكّل أول حكومة تحت رئاسة العماد ميشال عون ودعمنا برنامجه السياسي، إلا أن كلاً من عون وحزب الله لم يسمحا له بالحكم ولم يعطياه الهامش السياسي واستخدماه كواجهة لتغيير القانون الانتخابي. من هنا قرّر الحريري الاستقالة لإحداث صدمة إيجابية»، لافتاً الى «انه عاد الى لبنان من اجل تقديم الاستقالة بشكل رسمي، لكن رئيس مجلس النواب نبيه بري وعده بأن لبنان سيكون حيادياً في شأن ما يحدث في العالم العربي وبأنه سيُعطى الهامش السياسي للعمل. لذلك، نحن سننتظر ونرى. ونحن دعمنا ذلك وسنرى»، نافياً «ان تكون عودة الحريري عن استقالته شكّلت إخفاقاً للسعودية».
السعودية ستفشل مجدداً
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» تعليقاً على تصريح الجبير إن «أجواء التضامن والوحدة في لبنان حول القضية الفلسطينية والقدس أغاظت السعودية حليفة «اسرائيل» وتحاول شق الصف الوطني وضرب الاستقرار الداخلي من جديد والتشويش على الموقف الداخلي لتخفيف الضغط عن «اسرائيل» والولايات المتحدة والسعودية والإحراج الذي وقعوا فيه بعد قرار الرئيس الأميركي، خصوصاً أن لبنان ولا سيما رئيس الجمهورية كان رأس الحربة في مواجهة صفقة القرن، لكن المصادر لفتت الى أن «لبنان لن يسمح للسعودية ولا لغيرها باستباحة الساحة الداخلية، وكما فشلت في مؤامرة احتجاز الحريري لتعويض فشلها في العراق وسورية واليمن ستفشل مجدداً بوحدة وإرادة اللبنانيين والتفاهم الرئاسي القائم».
واعتبرت المصادر أن «كلام الحريري عن بقّ البحصة وبأنه سيحتفظ لنفسه بكل ما حصل في الرياض، يدحض كلام الجبير، ويؤكد أن مشكلة رئيس الحكومة مع السعودية، وليست مع الرئيس عون الذي يتمتع بعلاقة ممتازة مع رئيس الحكومة حتى الحريري نفسه يعترف بذلك، وعبر عن هذه العلاقة، كما أن حزب الله تعامل بمنتهى المسؤولية والحس الوطني إزاء الأزمة وقدّم التسهيلات كافة لردّ الروح الى التسوية». وتساءلت المصادر: لماذا يريد الجبير دق إسفين بين الحريري من جهة والرئيس عون وحزب الله من جهة ثانية؟ وأين أدعياء السيادة والاستقلال من كلام الجبير؟