عَ مدار الساعة


انتصر عون وانتصر “مار مخايل”.. رُفعت الجلسة

أمين أبو راشد – الثبات –
انتخاب عون 
يعزز العلاقة الوطنية للمقاومة مع المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية.. برؤية استراتيجية مشتركة 

 لولا المداخلات غير الموضوعية للنائب سامي الجميل، والتي ردّ عليها الرئيس نبيه بري بكفاءته المعهودة في إدارة الجلسات، وحزمه المقرون بظرافة محبَّبة، وأن يقول “استحوا” أمام السفراء والبعثات الدبلوماسية الحاضرة وكاميرات الإعلام والجماهير في الخارج، ولولا كفاءته الدستورية والقانونية في استيعاب البعض من “جهابذة الدستور والقانون”، لحصلت غوغاء غير مسبوقة، ولكان كل ما جرى انتخابياً في يوم “الإثنين الكبير”، مجرد تفاصيل رتيبة وبسيطة لجلسة بروتوكولية، أمام الجنون الشعبي الذي يتقنه العونيون، ونهاراً أبيضَ لم تنجح الأوراق البيضاء والملغاة في إضفاء مسحة سوداء عليه، وليلهم الذي سيشعل السماء ولن يعرف النوم، بعد إعلان العماد ميشال عون رئيساً بـ83 صوتاً في الدورة الثانية، وعلا التصفيق بين نائب مبتهج وآخر ممتعض وثالث وجهه رمادي.. أما “بحبحة” الأوراق البيضاء والملغاة من المعارضين العلنيين، أو جماعة “ثورة الأرز مستمرة في خدمة لبنان”، أو ورقة ذلك النائب الذي من “حزب ميريام كلينك”، فلم تكبح جماح الرئيس عون للصعود بقوة إلى بعبدا، لا بل أراحته من عبء الطامحين الطامعين، خصوصاً بالتشكيلة الحكومية.

رُفعت الجلسة التاريخية ونواب كتلة الوفاء للمقاومة والتيار الوطني الحر تبادلوا نظرات النصر الحميمة، لأن “مار مخايل” كان الناخب الأكبر، فهو الذي استمر بانتخاب ميشال عون منذ العام 2008 ولغاية تاريخ جلسة 31 تشرين 2016، لتتكرس إرادة زعيمين كبيرين جمعهما التحالف الصادق الذي “تقونن” اليوم برئيس صُنع في لبنان، رغماً عن بعض من أراد أن يلعب الكباش معهما عبر أوراق بيضاء وملغاة و”حركات صبيانية”حتى اللحظات الأخيرة.

هذا الحلف الذي يتمتع اليوم بأوسع حاضنة شعبية في تاريخ لبنان، يعزز أكثر وأكثر العلاقة الوطنية للمقاومة مع المؤسسة العسكرية ورئاسة الجمهورية برؤية استراتيجية مشتركة، عاش حزب الله بعضاً من فصولها في عهد الرئيس إميل لحود، وعاش خيبتها مع الرئيس ميشال سليمان، ليصل إلى يوم النصر الكبير لخيارات المقاومة، بوصول أقوى مسيحي مشرقي يمتلك أوسع شعبية لبنانية وكتلة برلمانية وازنة إلى سدة الرئاسة اللبنانية.. هو الحليف للمقاومة في الزمن الصعب، واعتبر البعض من ضيّقي الأفق يومذاك أن خياراته انتحارية، ووصل اليوم إلى بعبدا رغماً عن ضيّقي الأفق والوطنية.

nasralla

منذ نحو سنتين ونصف و”مار مخايل” ينتخب، وقامت مبادرات وسقطت مبادرات وسقطت معها أوراق التوت، وكان على حزب الله أن يفعل ما ليس غريباً عن أدبياته، وأن يتمسك بمرشح صادق ليس فقط يدار له الظهر، بل هو الظهير السياسي والشعبي الذي لا يساوم في الرهان على أن المقاومة ظهير الجيش، وأعظم ما في سلاحها أنه غير ظاهر.

ومنذ سنتين ونصف، وفي غمرة أقسى المعارك العسكرية التي يخوضها حزب الله في سورية، مع ما لهذا التدخل من جدلية استخدمها الخصوم لإحراق ميشال عون، لم تبقَ دولة فاعلة؛ من أميركا إلى أوروبا إلى عرب الاعتدال” إلا وحاربت حزب الله بميشال عون، وحاربت ميشال عون لأنه الحليف العنيد للمقاومة، إلى أن أدرك الجميع أن بندقية حزب الله لا تطلق إلى الخلف، وميشال عون كمسيحي ماروني مشرقي ممتلك للرؤية الكاملة، لا يحلل لنفسه الطلاق من أعظم حليف مسلم للمسيحية المشرقية عبر التاريخ القديم والحديث..

مشكلة البعض أنهم لم يقرأوا “وثيقة مار مخايل”، والبعض قرأها حلفاً شيعياً مسيحياً ضد السُّنة وسواهم من الطوائف والمذاهب الأخرى في لبنان، لكن كثيرين لم يقرأوا أنه حلف “الضرورة الاستراتيجية للدفاع المشترك”، ليس فقط عن لبنان والمقاومة، ولا عن الشيعة والمسيحيين، بل اقتضى قلق ميشال عون على مصير المسيحيين في لبنان وسائر المشرق، أن يتلاقى مع قلق السيد حسن نصرالله مما هو آتٍ من مخاطر على لبنان وسائر المشرق، وما هو أبعد من الاصطفافات السياسية الهزيلة الخائبة، وما هو كامن “ما بعد بعد رسم خرائط وإعادة ترسيم خرائط”، في أخطر وأقذر خطط رسم “الإسرائيليات”، وليس من يسأل عن ملايين هجروا، ومئات آلاف ذبحوا، من مسيحيين وإيزيديين ومسلمين شيعة وسُنة، في مخطط كشفت عنه وثائق وتقارير، ودلّت عليه وتؤكده كل يوم ممارسات التكفيريين الإرهابيين، ومن وراءهم من داعمين وممولين، وليس من قبيل الصدفة أنهم أنفسهم من يرعون الإرهاب وتمزيق الأوطان، كانوا ضمن مطبخ إعداد رئيس لبناني، وعانى منهم حزب الله وميشال عون أبشع تجارب التآمر التي يندى لها جبين الإنسانية، بدءاً من النشاط المخابراتي والعمل الإرهابي على لبنان، إلى محاولات شق الصفوف وضرب التحالفات، ووصولاً إلى المال الانتخابي الوسخ الذي ظهر حتى في انتخابات بلدية لمحاربة ميشال عون، وتدفق كما “الشغور” خلال الأسبوع الماضي، لضمان عدم وصول عون، حتى ولو لم يصل الخصم، فليكن رئيس وسطي ولا يصل حليف حزب الله و”ابن رعية مار مخايل”، إلى حدود إثارة الفوضى، عبر لعبة الظرف الزائد التي أخذها سامي الجميل ذريعة لتكرار الاقتراع، ليست سوى آخر محاولات لعب الكباش مع الكبار.

وإذا كان على العونيين اليوم أن يحتفلوا ويتلقوا التهاني، فيجب عليهم التمييز بين مَن يستحق المصافحة ومن لا يستحقها، وبين من يدار له ظهر، وبين من “يجب أن يدار له الظهر”، وبين من يستحق قبلة شكر، وبين من يستحق العناق الأبدي والزواج الماروني الذي لا يعرف طلاقاً، كي يستحقوا نعمة “مار مخايل”؛ الضامن الوحيد الباقي لوجودهم في هذا الشرق، ويكون لهم وطن أراده إخوة مسلمون حصناً للمسيحيين في زمن الضعف المسيحي والتهديد الوجودي، ويرفع فيه المسيحيون رؤوسهم برسالتهم المشرقية لمتابعة واجبهم النهضوي، وتبدأ مسيرة النضال القاسي لفخامة الرئيس العماد ميشال عون، لبناء دولة يستحقها الشعب العظيم، وتستحقها مقاومة عظيمة لولاها لما كان لنا وطن ولا بقيت جمهورية، و”بركتك يا مار مخايل.

أمين أبو راشد