حسان الحسن-
بالرغم من العديد من الاجتماعات ومحاولات التفاوض والتفاهم ومشاريع التسويات، لا يزال التصعيد في كامل الميادين وملفات المنطقة سمة الموقف، ولا ريب أن التصعيد العسكري في اليمن و الذي يتزامن مع التصعيد السياسي في كل من سوريا ولبنان، يؤكدان إستمرار الصراع بين محور المقاومة وروسيا من جهة وبين محور الولايات المتحدة والسعودية وتركيا من جهة أخرى، وعدم وصول الأفرقاء المتصارعة الى تفاهمٍ على تسويةٍ ما يُبقي مسلسل العنف على درجة عالية من التوتر المسلح الدموي.
في اليمن. يتفاقم الصراع بعد إندلاع الإشتباكات بين أنصار الله (الحوثيون) والقوات التابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، على خلفية إتهام الفريق الأول له بالغدر والخيانة، وهو بدوره أعلن مد يده للسلام مع المملكة السعودية، ضاربا بعرض الحائط الحرب التي شنتها الاخيرة على اليمن لاكثر من ثلاث سنوات خلت.
أما التطور الجديد واللافت في الحرب الدائرة بين الجيش واللجان الشعبية في اليمن وبين التحالف العربي الذي تقوده السعودية، هو قيام القوة الصاروخية للجيش واللجان الشعبية بإطلاق صاروخ مجنح من نوع كروز ، استهدف مفاعل براكه النووي في مدينة ابو ظبي عاصمة الامارات وعلى مسافة قياسية تجاوزت الى 1200 كلم.
وفي لبنان، بعد أجواء الإرتياح التي سادته، أثر تريث رئيس الحكومة سعد الحريري عن إستقالته من الرئاسة الثالثة، خصوصاً في ضوء المعلومات التي تسربت الى الإعلام عن التقدم في صوغ مسودة البيان الذي يفترض أن يصدر عن مجلس الوزراء لتكريس سياسة النأي بالنفس، وبأنه قطع شوطاً، بمعزل عن التصعيد الإقليمي، وأن هناك أفكاراً يتم تبادلها بين الرؤساء الثلاثة و«حزب الله» الذي يتولى التواصل معه الرئيس نبيه بري في شأن الصياغة، فقد اتهم وزير الخارجية السعودية عادل الجبير وفي سابقة خطيرة لاول مرة ، القطاع المصرفي اللبناني ،والذي يشكل عماد الاقتصاد اللبناني، بتييض أموال المخدرات ل”حزب الله”.
وتكمن الخطورة في هذا الاتهام أن موقف الجبير حيال لبنان، لم يستهدف فيه المقاومة فحسب، بل العمود الفقري لاقتصاد الدولة اللبنانية، وكأنه يشن حربا معنوية وحرب ثقة على هذا الاقتصاد من دون مبرر ومن دون اية مستندات تثبت ذلك مما إستدعى رداً واضحا وحاسما من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أكد من جهته أن القطاع المصرفي اللبناني يحترم الشرعية المالية الدولية، ويتقيد بالكامل بمندرجات المنظومة المالية العالمية حول متابعة مكافحة تبييض الاموال.
لكن التهديد ترك بطبيعة الأمر إرتياباً لدى مصادر سياسية لبنانية من عودة التصعيد الى الداخل اللبناني.
بالإنتقال الى سوريا، و بعد لقاءات سوتشي، خصوصاً بين الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني والتركي رجب الطيب أردوغان، والذي أعلن عقبها الاخير أنه لا يستبعد الإتصال بالرئيس السوري بشار الأسد، للتنسيق في شأن مسألة التمدد الكردي في الشمال السوري، فقد جاء اجتماع (جنيف 8) بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة، ليصدر عنه بيان عالي النبرة، ومخالفا لشروط واصول جولات التفاوض السابقة، حيث أعلن رئيس الوفد المعارض نصر الحريري، وفي سابقة تدل على وضع شروط مسبقة، مخالفا بذلك مبادىء التفاوض في جنيف، أن الهدف من المفاوضات هو تحقيق انتقال سياسي يستند على رحيل الرئيس بشار الأسد في بداية المرحلة الانتقالية، فانسحب عندها الوفد الحكومي السوري.
وتعقيباً على ذلك، أكدت مصادر سورية متابعة لـ موقع المرده ” أن “هذا البيان يحمل بصمة أميركية- تركية- سعودية واضحة”. واعتبرت أن تصريح وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس الذي أعلن فيه أن واشنطن تتجه لوقف تسليح الأكراد في سوريا، هو لإسترضاء أنقرة وموافقتها على تغطية للبيان المذكور آنفا. وكشفت المصادر عينها أن لديها معلومات معاكسة لما أدلى به الوزير الأميركي، وأن الولايات المتحدة في صدد تقديم أسلحة ثقيلة “لقوات سوريا الديموقراطية”، من صواريخ ومدرعات وغيرها من الاسلحة التي طالما إعترضت تركيا على امتلاك قوات سوريا الديمقراطية لها.
وفي حمأة هذا الأجواء المشحونة إستهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية في الأيام القليلة الفائتة مدينة الكسوة جنوب غربي دمشق انطلاقا من الأجواء اللبنانية، بحسب ما ورد في صحيفة “يديعوت أحرنوت الإسرائيلية” ووسائل إعلام أخرى، و قد تصدت لها الدفاعات الجوية السورية،وذكرت الصحيفة أن الطيران الاسرائيلي استخدم 5 صواريخ، تمكنت مضادات الطيران التابعة الجيش السوري في مطار المزة العسكري من إصابة 3 منها، في حين انفجر الصاروخان المتبقيان بالقرب من مخازن للذخيرة في المدينة المستهدفة ، وكانت مصادر أهلية لفتت الى أنه قرابة الساعة 1:00 من فجر السبت الفائت أهتزت العاصمة دمشق باكملها، أثر إطلاق الدفاعات الجوية صواريخها في إتجاه الطائرات المعادية، ما يؤكد أنها أطلقت من محيط العاصمة دمشق .
وفي هذا الصدد، أكد مرجع عسكري انه لا قيمة إستراتيجية او عسكرية لهذا العدوان، طالما انه لم يستهدف منظومات أومنشآت عسكرية فاعلة، وجاء فقط لرفع معنويات المسلحين، وتوجيه رسائل الى المعنيين أن تل أيبب لاتزال موجودة على خط الأزمة.
وفي السياق نفسه جاء التصريح الناري لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والذي شدد فيه، وكالعادة، على أن إسرائيل ستمنع إيران من إنشاء قواعد عسكرية في سوريا وانه، اي اسرائيل ستتابع وبجدية منع امتلاك ايران أسلحة نووية .
وفقاً لما ورد آنفاً، ووسط هذه الأجواء التصعيدية في المنطقة، يبقى السؤال: هل يمكن التعويل على دور إيجابي للاتفاقات الدولية خصوصاً الأميركي – الروسي، والذي حدث خلال قمة “أبيك” في فيتنام بين الرئيسين ترامب وبوتين، لحل الأزمة السورية وهل تتأخر النتائج العملية لهذه الاتفاقات و تتطلب وقتاً لترجمتها على أرض الواقع، حيث يحاول كل طرف شريك في الأزمة تعزيز حضوره في الوقت الراهن، قبل نضوج التسوية المرجوة ؟؟؟
-المرده-