– انتهجنا سياسة مستقلة ولبنان نأى بنفسه ولكن الآخرين لم ينأوا بنفوسهم ولا بنفوذهم عنه
***
رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى اللبنانيين عشية الذكرى 74 للاستقلال: (21 ت2 – 2017)
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون
- غداً يوم ليس كسائر الايام وعيد ليس كسائر الاعياد،
هو عيد الاستقلال والاستقلال ليس لحظة محددة،
هو عمل دؤوب ونضال متواصل هو قصة شعب دفع الكثير ولم يزل ليبقى سيداً حر القرار وعلى ارض حرة. هو تاريخ حافل بالمحطات. - هو يومكم أيها اللبنانيون.
هذا العهد هو محطة من تلك المحطات، واسعى جاهداً لتكون مشرقة ولتبقى كل الارادات متضافرة لنحصن السيادة والاستقلال ونحفظ استقرار وطننا وسط العواصف، ولنكمل عملية بناء الدولة. - لقد أعلنت في خطاب القسم أنه في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة من النيران في الدول المجاورة الى الداخل، وأكدت ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية واحترام ميثاق جامعة الدول العربية، لذلك انتهجنا سياسة مستقلة وتحاشينا الدخول في النزاعات، ودعونا الى الحوار بين الاشقاء العرب، لأنه في الحروب الداخلية انتصار للمنتصرين كما للمنهزمين.
فمع بدء الحرب في سوريا بدأت التنظيمات الإرهابية تخترق حدودنا الشرقية وتتغلغل الى الداخل اللبناني محاولة السيطرة على ما أمكنها من قرى وبلدات ومناطق، زارعةً الموت والدمار عبر تفجيرات إرهابية طالت كل لبنان، ونحن، على الرغم من انتصارنا على الأرهاب وتحرير أرضنا منه، ما زلنا نتساءل من أين جاء الإرهاب الى لبنان؟ من أرسله؟ من موله؟ من سلحه ومن دربه؟ ولماذا؟ أليس لضرب الاستقرار وزرع الفتنة، وقد شهدنا مآل الأحوال في الدول العربية التي تمكنت منها تلك التنظيمات”.
- من ناحية ثانية، تربض إسرائيل على حدودنا الجنوبية وتاريخها مع لبنان، ومنذ قيامها، حافل بالاعتداءات والحروب التدميرية،
– من اعتداءات الستينات والسبعينات
– الى اجتياحها للبنان في العام 1982 ووصولها الى بيروت واحتلالها نحو نصف لبنان ثم انسحابها محتفظة بأجزاء من الجنوب تحت سيطرتها لثمانية عشر عاما، شنت خلالها سلسلة حروب تدميرية منها
– “تصفية الحساب” في العام 1993
– وعناقيد الغضب في العام 1996 ومجزرة قانا الأولى،
– وتدمير محطات تحويل الكهرباء في العام 1999، حتى اضطرت الى الانسحاب في العام 2000 تحت ضغط مقاومة اللبنانيين،
– لتعود في العام 2006 وتشن حرباً جديدة ارتكبت خلالها أبشع المجازر ودمرت البنى التحتية بما فيها الجسور، كما دمرت أيضاً العديد من القرى وضاحية بيروت الجنوبية، ولكنها هذه المرة لم تستطع تجاوز الحدود. وهي اليوم تنتهك سيادتنا براً وبحراً وجواً بشكل مستمر غير آبهة بالقرارات الدولية وتهددنا بحروب جديدة وتدمير جديد. أليس أجدى أن تبادر الأسرة الدولية الى مقاربة جديدة تقوم على الحقوق والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تعالج عبرها قضايا السلاح والتسلح والحروب.
أيها اللبنانيون في كل تلك المراحل والمحطات، كان لبنان يدفع أغلى الأثمان ويحاول جاهداً إبعاد شبح الفتنة؛
- فالوطن الذي بذل الدماء سخية، شعباً وجيشاً، ضد العدو الإسرائيلي كما التكفيري، وسطر بطولات وتضحيات في تحرير أرضه من الاثنين معاً، ليس وطناً تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية في وجه الفتنة التي هي الشر الأكبر.
- إن ما تلقاه لبنان هو تداعيات الصدامات وشظايا الانفجارات،
ولا شيء ينفع في معالجة التداعيات إن لم يقفل باب النزاعات.
ولكنه في كل الحالات لن ينصاع الى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية، - من يريد الخير للبنان يساعده على تحصين وحدته لأنها صمام أمانه.
- في هذا السياق تأتي الأزمة الحكومية الأخيرة، والإشكالية التي أحاطتها، وصحيح أنها عبرت، إلا أنها قطعاً لم تكن قضية عابرة، لأنها شكلت للحكم، وللشعب اللبناني اختباراً صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل إغفالها والسكوت عنها.
فهل كان يجوز التغاضي عن مسألة واجب وطني فرض علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها، وعلى أرض لبنان؟ ثم أنها، أولاً وآخراً، مسألة كرامة وطن وشعب أظهر حيالها تماسكاً وطنيا فريداً، فالسيادة كل لا يتجزأ سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية.
ايها اللبنانيون
- وسط الغليان الحاصل حولنا، بضع رسائل أود توجيهها بكل صراحة وصدق.
- 1) رسالتي الأولى هي للأشقاء العرب:
إن التعاطي مع لبنان يحتاج الى الكثير من الحكمة والتعقل، وخلاف ذلك هو دفعٌ له باتجاه النار. وعلى الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية، بأن تتخذ المبادرة انطلاقاً من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها، فتحفظ نفسها والدول الأعضاء فيها، وتنقذ إنسانها وسيادتها واستقلالها. - 2) وأتوجه أيضا إلى المجتمع الدولي المدرك لأهمية الاستقرار في لبنان، وأدعوه ليصونه من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية.
- 3) أما الى اللبنانيين فأقول:
بوحدتكم تخطيتم الكثير من الصعاب والأزمات والمخاطر، فلا تسمحوا للفتنة أن تطل برأسها بينكم لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد. وحدها وحدتكم هي المنقذ، هي أمانكم، هي استقراركم، وهي مستقبل وطنكم وأولادكم. - 4) والى جيشنا وقوانا الأمنية أقول: أنتم حراس الوحدة الداخلية وحماة الحدود، فكونوا دوماً جاهزين لأداء واجبكم والوفاء بقسمكم.
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون، لقد دفعنا جميعا أغلى الأثمان كي يعود الاستقلال عيدا بعد أن كان ذكرى، فافرحوا به واحتفلوا، وهذا حقكم. وصونوه وحافظوا عليه وهذا واجبكم. عشتم،عاش لبنان، حرا سيدا مستقلا”.