«هذه الحرب ورغم الدمار الكبير الذي ألحقته بسورية، لم تسقط إيمان الشعب بحتمية الانتصار على الإرهاب من خلال تضحيات الجيش السوري العقائدي والاحتضان الشعبي لهذا الجيش كما لم تسقط تمسكه بهويته وعقيدته وانتمائه القومي».
بمثل هكذا مواقف مبدئية، تحدث الرئيس بشار الأسد أمس أمام «المشاركين في الملتقى العربي لمواجهة الحلف الأميركي الصهيوني الرجعي العربي ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني».
وفي ذات المنحى، أكد الرئيس الأسد أن بطولات الجيش لم تأت من فراغ، فهو قبل أن يكون جيشا وطنيا، هو جيش عقائدي، استند إلى عقيدة واضحة تأسست عبر عقود، وهذه النقطة فهمها أعداؤنا، وكل العمل السياسي بالمؤتمرات وبالحكومة الانتقالية وبالفيدرالية، وبكل ما تسمعونه من مصطلحات عبر عن شيء وحيد كان مطلوبا وهو ضرب عقيدة الجيش.
وأكد الرئيس الأسد خلال اللقاء الذي جرى في قصر الشعب وحضرته قوى وأحزاب وشخصيات من دول عربية عدة، أنه وبعد سبع سنوات من التضحيات لا يمكن أن نفكر ولو لثانية واحدة بأن نقدم أي تنازل يتعلق بموضوع العقيدة والانتماء القومي لسورية، كرمى لأعين حثالات القرن الحادي والعشرين من الإخونجية وربيبتيهما داعش والنصرة، أو أي من المجموعات الأخرى سواء الخارجون عن القانون أو المجموعات التي تعمل لصالح الأميركيين والغرب في منطقتنا.
واعتبر الرئيس الأسد أن العاصفة التي ضربت عدداً من الدول العربية وفي مقدمتها سورية وليبيا واليمن والعراق إلى حد ما، والدمار المادي والمعنوي الذي حصل، هدفه الأساسي هو إعادة المنطقة قروناً إلى الوراء، وهذا صحيح، لكن الهدف الأكبر هو ضرب انتماء الإنسان العربي في هذه المنطقة وضرب انتمائه لكل البيئة التي عاش فيها، وللجغرافيا، وللتاريخ، وللمبادئ والانتماء القومي.
وقال: لمواجهة المشكلات التي تمر بها الأمة العربية وإعادة الألق إلى الفكر القومي الذي لا يمر بأحسن حالاته اليوم، ينبغي العمل الجاد من أجل توضيح بعض المفاهيم التي استهدفت أمتنا من خلالها، ومنها محاولات ضرب العلاقة التي تربط العروبة بالإسلام، ووضع القومية العربية في موقع المواجهة مع القوميات الأخرى، موضحاً أن العروبة والقومية العربية هي حالة حضارية وثقافية وإنسانية جامعة ساهم فيها كل من وجد في هذه المنطقة دون استثناء، وهي لا تقوم على دين أو عرق محدد، وإنما أساسها اللغة والجغرافيا الواحدة والتاريخ والمصالح المشتركة.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن أول من ربط بين العروبة والعلمانية والإلحاد برابط واحد، وقال للمواطن البسيط عليك أن تختار بين الإيمان وبين الإلحاد، هم «الإخوان المسلمون»، الذين كانوا رأس حربة بالنسبة لهذه النقطة، وتابع: نحن في سورية نسميهم «إخوان الشياطين»، فهم كانوا رأس الحربة عندما زرعهم الإنكليزي في النصف الأول من القرن الماضي في مصر وبعدها انتقلوا إلى أماكن أخرى وأثبتوا في كل مرحلة من المراحل بأنهم رأس حربة ضد كل ما له علاقة بمصالح الشعب العربي وبالانتماء العربي.
واعتبر الرئيس الأسد أنه من الضروري العمل على توضيح فكرة عدم وجود أي تعارض أو تناقض بين الانتماء إلى العروبة والانتماء إلى الإسلام فكلاهما يصب باتجاه الآخر ويعززه، مشيراً إلى العامل الآخر الذي أثر على العمل القومي، وهو سياسات بعض الحكومات العربية التي عملت ضد مصالح الشعب العربي عبر خدمة مشاريع خارجية وتسهيل العدوان على دول عربية أخرى، الأمر الذي خلق رد فعل سلبيا لدى الكثيرين تجاه القومية والعروبة.
ولفت الرئيس الأسد إلى أن من أهم الأمور التي تقتضيها مواجهة الغزو الثقافي والفكري الذي تتعرض له الأمة العربية، هو التمسك باللغة العربية التي تشكل حاملا للثقافة والعروبة باعتبارها حالة حضارية، مؤكداً أن فقدان اللغة هو فقدان للارتباط وغربة عن الثقافة التي ينتمي إليها الإنسان.
وبين الرئيس الأسد أن الهدف الأساسي من الحرب التي تتعرض لها سورية منذ سبع سنوات هو إعادتها والمنطقة قرونا إلى الوراء، عبر ضرب الشعور القومي والانتماء لهذه المنطقة، ووضع الإنسان العربي أمام خيارين: إما التخلي عن هويته والارتماء في حضن الأجنبي، أو التوجه نحو الفكر المتطرف، وتحويل المجتمعات العربية إلى مجتمعات متناحرة ومتصارعة.
وبحسب البيان الرسمي فإنه وعقب انتهاء الرئيس الأسد من كلمته، جرى حوار تناول المستجدات السياسية والميدانية وملف إعادة الإعمار، إضافة إلى الأوضاع على الساحة العربية، وآفاق تفعيل العمل العربي المشترك، كما تركز الحوار حول مجموعة من القضايا الساخنة، أهمها كيفية تحويل الانتماء القومي إلى حالة عمل مستمرة تقوم على تطوير المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بهذه القضية المحورية بما يتناسب مع طبيعة المواجهة الحاصلة ويساهم في تفكيك الفكر الهادف إلى تصفية الهوية العربية والانتماء القومي.