– ماذا بقي لسعد من أعمال في السعودية؟ ( الأخبار )
***
لم ينجح معدّو مقابلة الرئيس سعد الحريري على شاشة تلفزيون المستقبل، أمس، في تبديد انطباعات اللبنانيين التي تكوّنت منذ تقديم استقالته، عن كون رئيس حكومتهم مسلوب الإرادة في إقامته في المملكة العربية السعودية. لا شكلاً ولا مضموناً، تمكّن الحريري ومن يقف خلف المقابلة في إزالة هذا اللّبس، أو التخفيف من وطأته، بل على العكس، رسّخ التعب والقلق، اللذين ظهرا على وجهه وصوته، نظريّة إقامته الجبرية في مملكة القهر السعودية.
وعدا عن ترتيبات المقابلة المفاجئة والسريّة التي أحيطت بها بدايةً..
وكان كافياً أن يظهر رجلٌ في خلفيّة «الكادر» يرفع ورقةً للحريري، فيشيح رئيس الحكومة بنظره عن الشاشة، حتّى تزيد شكوك المتابعين بأن إحاطة الأمن السعودي للحريري في خطواته أكثر من حقيقة. يمكن القول من خلاصة المقابلة إن من خطّط لهذه الاستقالة، منتظراً مفاعيل مختلفة عن تلك التي ظهرت على الساحة اللبنانية، اضطّر تحت وطأة الفشل إلى أن يخفض من سقف مواقفه، وهو ما ظهر على لسان الحريري.
أوّلاً، لم ينجح مهندسو الاستقالة في إحداث شرخ سريع على الساحة اللبنانية، إن على المستوى السياسي بين القوى أو على مستوى الشارع، على عكس التوقّعات بحدوث صدامات وهبّة مؤيدة للسعودية في بيئة تيّار المستقبل.
ثانياً، نجح مثلّث عون ــ الرئيس نبيه بري ــ قيادات المستقبل البارزة وعائلة الحريري في التماسك الكلّي، ونقل المعركة إلى المحافل الدوليّة والدبلوماسية، ما سبب حرجاً كبيراً للسعوديين.
ثالثاً، لم ينجرّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى خطاب التصعيد السعودي، بل ظهر في إطلالتين متتاليتين بكثيرٍ من الهدوء والتروّي والاحتضان لعائلة الحريري وتيار المستقبل، رامياً الكرة في ملعب التصعيديين.
رابعاً، ظهر لمعدّي استقالة الحريري ضعف الفريق المحسوب بالكامل عليهم وعجزه عن تحريك الشارع اللبناني، إن كان في الشمال، حيث يلعب اللواء المتقاعد أشرف ريفي، أو في الساحة المسيحية حيث نفوذ حزب القوات اللبنانية، الذي ظهر عاجزاً أمام تمسّك هذا الشارع شبه الكامل بخيارات رئيس الجمهورية وإجماع القيادات الرسمية خلف توجّهات عون وقيادته للمواجهة الدبلوماسية والشعبية.
وحتى مساء أمس، كان رئيس الجمهورية لا يزال متمسّكاً بموقفه، ومعه برّي ومعظم القيادات السياسيّة، في اعتبار ما يصدر عن الحريري من مقرّ إقامته الجبرية، «موضع شكّ والتباس ولا يمكن الركون إليه أو اعتباره مواقف صادرة بملء إرادة رئيس الحكومة». وظهر هذا الموقف المشترك بين عون وبرّي، بإعلان قناة «أن بي أن» عدم نقلها مقابلة الحريري، بناءً على ما عبّر عنه رئيس الجمهورية. وعكست شاشات التلفزة اللبنانية موقفاً متماسكاً انسجاماً مع موقف عون وبري، حيث امتنعت كل الشاشات الأرضية عن نقل المقابلة، باستثناء قناتي المستقبل و«أم تي في»، الأولى لأنها ملك تيار المستقبل و«رهينة» مثل الحريري لدى السعودية، والثانية لأنها «مرتهنة»، وتبغي تحقيق الرضى السعودي (وما ينجم عنه من أموال) مقابل هذه المواقف، خلافاً لشبه الإجماع اللبناني الرسمي والشعبي
الحريري
وكان لافتا أن مضمون المقابلة ومواقف الحريري الهادئة، لا تقارن بتلك التي صدرت في بيان استقالته، من حيث تحميل مسؤولية عدم استقرار المنطقة لإيران وحزب الله، وتهديد حزب الله وإيران بالويل والثبور، بل ظهر الحريري كمن لعب ورقةً خطرة، بهدف تحسين شروط التسوية لا أكثر، من خلال فتحه باب الحلّ في أكثر من ثغرة خلال المقابلة، وتأكيده تعليق التسوية الرئاسيّة إلى حين عودة الطرف الآخر عن خروجه عنها، بما سماه العلاقة مع النّظام السوري. كذلك الأمر، بالنسبة إلى استقالته، إذ اعترف بأن الاستقالة ناقصة دستوريّاً، وأنه مطالب بلقاء رئيس الجمهورية ميشال عون لتقديمها رسميّاً، ووضع الرئيس في ظروفها.
وقال إنه فخور بالعلاقة مع عون، و«عندما أعود الى لبنان سأتحاور معه في كل الأمور، وعلينا تصويب الأمور سوياً مع فخامة الرئيس في ما يتعلق بالنأي بالنفس». وأعلن الحريري أكثر من مرّة أنه سيعود الى لبنان قريباً، خلال يومين أو ثلاثة، ليؤكد على استقالته، إلّا أنه أكّد «الدخول بالحوار مع كل الأطراف على أساس النأي بالنفس، وعلى أساس الحوار الإيجابي والعلاقات الإيجابية مع كل العرب»، مشيراً إلى أن «المطلوب حوار حوله (سلاح حزب الله)، ويجب أن يكون حول جوانب إقليمية، ولكنني أقول إن حزب الله ليس شأناً لبنانياً فقط، وإنما إقليمي، لذلك أنا أشدد على مسألة الحوار». ورفض الحريري الكشف عن بعض «الأسرار» إلى حين عودته إلى لبنان والتحدث بها مع عون.
***
سعد الحريري مرتبك إزاء كيفية تعامل محمد بن سلمان معه، إذ إن وضعه تغيّر كثيراً في السعودية. صحيح أن العائلة كلها لم يعد لديها أعمال هناك. وهم يعرفون أن مهمة إقفال باب رزقهم في المملكة اتخذت منذ وقت غير قصير، إلا أن محمد بن سلمان سرّع في تنفيذها.
فـ«سعودي أوجيه»، التي كانت تضم سابقاً 45 ألف موظف، أفلست اليوم، وبقي فيها الآن نحو 300 موظف فقط يعملون على ملف التفليسة والإقفال، وليس لدى الشركة أي مشروع جديد. أما مشاريع الصيانة، فلم يجر التجديد التلقائي لها، كما كان يجري الأمر سابقاً، بل كُلّف مشغلون آخرون القيام بذلك. لكن محمد بن سلمان نفسه، ترك للحريري متابعة صيانة جامعة الملك عبدالله في ثوال قرب جدة، وهي الجامعة التي كانت «سعودي أوجيه» قد تولت تشييدها. والآن يوجد مشروع صيانة ضخم فيه حوالى 1600 موظف أو أكثر يعملون تحت اسم «سعودي أوجيه»، لكن إدارتهم باتت مستقلة عن الشركة الأم، وكذلك ملفاتهم المالية والوظيفية، وهم يتبعون مباشرة لمدير المشروع وإدارة الجامعة.
أما مشاريع الإعمار فقد توقفت نهائياً، وما تبقى منها تولى صاحب المشروع الدفع مباشرة لفريق العمل والمقاولين لإنهاء الأعمال المتبقية، مثل مشروع وزارة التربية ومشروع جامعة الأميرة نورة.
أما شركة MACC الجديدة، فحجمها صغير جداً، وليس لديها سوى ثلاثة مشاريع صغيرة تعتبر تكملة لمشاريع «أوجيه» السابقة والتي تخص الملك وابنه، وهي مشاريع تتم بالطلب المباشر والتراضي وليس من خلال مناقصات. وفي هذه الشركة مئات عدة من العمال والموظفين، مع الإشارة الى أن شركة «سعودي أوجيه» تملك فندق «شيراتون»، وهو يعاني هذه الفترة صعوبات كبيرة.
المصدر: الأخبار