أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


كي لا يصبح غبطته مطراناً على الرياض

– سعي لتلميع صورة المملكة، وعون حمى رئيس حكومة لبنان ( حبيب البستاني )


***

أما وقد قرر غبطة أبينا البطريرك تلبية دعوة المملكة العربية السعودية لزيارتها ومقابلة جلالة الملك، وبغض النظر عن التوقيت الذي يعتبره البعض غير مناسبا، وذلك نظراً للأزمة السياسية الكبيرة التي تعصف بعلاقات المملكة ولبنان، والتي تسبب فيها وجود رئيس حكومة لبنان في الرياض في وضع مشبوه وغير طبيعي، هو أقرب ما يكون إلى الإقامة الجبرية التي باتت كل المراجع الدولية تتحدث عنها، بغض النظر عن كل هذا يرى نيافته أن الزيارة يجب أن تتم كون الدعوة جاءت قبل حدوث الأزمة.

هذا في الشكل طبعاً، أما في المضمون فإن الدعوة جاءت من ضمن سلسلة دعوات سياسية شملت فيما شملت شخصيات لبنانية من لون سياسي واحد، من الدكتور سمير جعجع إلى سامي الجميل إلى معالي وليد بك جنبلاط إلى آخرين، وجاءت دعوة صاحب الغبطة في هذا السياق، ولكن المتغير المفاجىء الذي طرأ فهي دعوة رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي ذهب ولم يعد حتى كتابة هذه السطور.

والسؤال المطروح هل إن سبب دعوة صاحب النيافة في البداية هي نفسها ما زالت قائمة؟ وهل الذي كان مطلوباً من نيافته في البداية هو نفسه ما زال مطلوبا؟

للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من قراءة أسباب هذه الدعوات ودراستها إنطلاقا من النتائج التي ترتبت عنها لكي يبنى على الشيء مقتضاه، فما من أحد يستطيع معرفة ما جرى خلال هذه اللقاءات مع السياسيين اللبنانيين في المملكة، وكما هو معلوم المجالس بالأمانات، سيما وإن أحدا من المجتمعين لم يفصح عن فحواها، ولكن الأحداث التي تلت تلك الإجتماعات كانت واضحة وذات دلالات كثيرة.

ولعل الحدث الأبرز تمثل باستدعاء الرئيس الحريري إلى المملكة بصورة مفاجئة ولأسباب معلنة تختلف عن الأسباب المبيتة، وإجباره على تقديم استقالته بالأسلوب الدراماتيكي والغامض التي تمت خلاله.

يجمع كل المحللين أن المملكة بحاجة لغطاء لبناني سياسي لتنفيذ ما تريده في لبنان، ولعل الهدف الأول تمثل بإقصاء سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، ونزع صفة دولة الرئيس عنه واعتباره مستقيلاً، وذلك بالرغم من موقف لبنان الرسمي، الذي أعلنه فخامة رئيس الجمهورية والذي بقي مصراً عليه، واعتباره الرئيس سعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء، مع ما يستتبع ذلك من حصانة وصلاحيات. ولقد لاقى الموقف السعودي تجاوباً إعلامياً من بعض محطات التلفزة التي بان مدى اتباطها وتبعيتها للموقف الرسمي السعودي، ولقد تماهى عدد من السياسيين اللبنانيين لا سيما الذين زاروا المملكة مع الموقف الرسمي السعودي، واعتبروا الرئيس الحريري مستقيلاً، حتى إن بعضهم ذهب أبعد من ذلك وطالب بضرورة إجراء استشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة جديد بحجة الفراغ في المركز السني الأول.

الموقف السعودي المستجد ودور البطريرك
أما الآن فإن الموقف السعودي يتلخص بضرورة إعادة تلميع صورة المملكة، من طريق إظهار الرئيس الحريري وكأنه إنسان حر، وهو قد اختار تواجده وتقديم استقالته من الرياض بملء إرادته. ونخشى ما نخشاه أن تتحول زيارة البطريرك إلى عامل لتلميع صورة المملكة لا أكثر ولا أقل، وإظهار الرئيس الحريري بما ليس هو عليه.

لقد قام فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعمل جبار لحماية رئيس حكومة لبنان، وهو لم يكف عن الإصرار على اعتباره رئيساً فعلياً للحكومة، ولقد لاقاه في ذلك كل اللبنانيين ومعظم الشخصيات السياسية اللبنانية، وهو يقوم بضغط غير مسبوق لإعادة الاعتبار لرئيس حكومة لبنان، كل ذلك أدى إلى شبه انقلاب في الموقف الدولي أدى إلى تفهم كامل لوضع الرئيس الحريري. واليوم وعشية سفر غبطة البطريرك إلى المملكة نأمل أن يقوم غبطته بالدفاع عن كرامة لبنان قبل بحث أي شيء آخر، فعودة الرئيس الحريري إلى لبنان أمر لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، ولا يمكن لأي مسؤول زمني أو روحي، إلا الإلتزام بالسقف الذي حدده فخامة رئيس البلاد، والقائل بضرورة مطالبة السلطات في المملكة بإعادة الاعتبار لدولة رئيس الحكومة اللبنانية، وذلك كي لا يتحول غبطته من بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق إلى مجرد مطران على الرياض.

*كاتب سياسي