– المُريب في قضية الرئيس الحريري.. ( أمين أبوراشد )
***
أخبار عالنار- أسبوعٌ على قضية الرئيس الحريري، كان حافلاً بآلاف التحليلات والتصريحات عبر العالم، بعضها أجمعت على أن موضوع الإقالة/ الإستقالة منفصلٌ عن حملة مكافحة الفساد الحاصلة في المملكة، والبعض من التحليلات الأخرى تجزم، أن مكافحة الفساد ما هي سوى غطاء لقمع محاولة إنقلابية تمّ وأدها على وجه السرعة، وأن الحريري مُتَّهم بالمشاركة بها من وجهة نظر النظام السعودي، ومصيره كما الأمراء والوزراء ورجال الأعمال وبعض الضباط الأمنيين المتَّهمين بالتخطيط والإعداد لها، وأن التنفيذ الميداني للإنقلاب كان على عاتق الأمير متعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني الذي شمله العزل والإعتقال، وللرئيس الحريري علاقة شخصية وطيدة به.
وبما أن السلطات الدكتاتورية السعودية متى قررت الإتهام، ترمي الحرام على الأبرياء، فكيف بالحري إذا ثبُت أنه في تلك الليلة الليلاء، اكتُشِفت خيوط محاولة إنقلابية، واتُّخذ القرار بالقضاء عليها تحت ذريعة مكافحة الفساد، بدليل أن اللجنة شكَّلها بن سلمان مع والده ليلاً، وخلال ساعات، وقبل بزوغ الفجر كانت كافة الأسماء جاهزة وأصحابها قيد الإعتقال، وغالبيتهم من مُعارضي محمد بن سلمان منذ تسعيره الحرب التدميرية على اليمن، ومن منتقدي مغامراته الخارجية التي تتورط بها المملكة.
نضع جانباً أزمتنا السيادية كلبنانيين، ونرمي في سلَّة المهملات تلك الإستقالة الجبرية، ونتعالى عن الجرح الحالي الناتج عن تغييب رئيس حكومتنا، وندعو جماعة بيت الوسط الى إقفال هذا البيت والإنصراف الى بيوتهم، لأن لدى بعضهم معطيات عن وضع الرئيس الحريري، وأنه مُتَّهم في السعودية، وأن لا عودة له الى الحياة السياسية، وأن تداول إسم شقيقه وريثاً له في كل مناصبه جاء بأوامر سعودية، بصرف النظر عن مدى قبول اللبنانيين به من عدمه، وإذا كانوا اليوم يعتبرون أنفسهم ليسوا “غنماً” كما قال الوزير نهاد المشنوق فعليهم على الأقل ضبط ألسنتهم عن حزب الله والتوقُّف عن اعتباره الذئب القادم لإفتراس الغنم، لأنهم سيحتاجون لحضنه يوماً، لأن حقيقة “إقالة” الرئيس الحريري، لا علاقة لها بإيران، ولا بالحزب، ولا بفرضية الإغتيال المزعوم، ولا بأجهزة التشويش التي ضُبطت وهي غير موجودة سوى في عقولٍ مشوَّشة بالحقد.
ليست السعودية بحاجة الى استدعاء الحريري الى الرياض لتقديم استقالته، وكان يكفي أن تأمره من هناك بتقديمها الى فخامة الرئيس دون ضجيج، ثم الذهاب لتلاوة ما تُلِيَ عليه من نصًّ يحمل بصمات السبهان، واستدعاء الحريري في أي وقت أمرٌ سهل، ليس لأنه يحمل جنسية سعودية، ولا لأن لديه مصالح في المملكة، بل لأن عائلته تعيش هناك بصورة دائمة، بناء لطلب زوجته التي تنتمي لعائلة العظم السورية، والتي غادر أهلها سوريا منذ نحو أربعين عاماً واستقروا في المملكة، والمعروف عن السيدة الحريري أنها حريصة على الإهتمام بأسرتها وبأولادها وعلى مكانٍ آمن لدراستهم، وهي نادراً ما تظهر في مناسبة عامة، وبالتالي فإن ضمانة استحضار الحريري الى المملكة هي عائلته، المرتبط بها بعاطفة مميَّزة.
المُريب في قضية الرئيس الحريري، أنه فور هبوط طائرته في ليلة القبض على الأمراء، كان هناك طوقٌ أمنيٌّ حولها، وصعد عناصر الأمن السعودي وأبعدوا الحراس الشخصيين، وصادروا الأجهزة الخلوية منه، وفوراً تم اقتياده الى القصر وفي غرفةٍ مجاورة لمكتب بن سلمان، طُلِب منه تلاوة الإستقالة وقُضِي الأمر.
وإذا كان البعض يعتبر أن الرئيس الحريري يتمتَّع بحريَّة الحركة، فإن زيارته الخاطفة الى أبو ظبي كانت لمقابلة ولي العهد محمد بن زايد الذي تربطه علاقة حميمة بمحمد بن سلمان، ومن أكثر الداعمين لوصوله الى العرش السعودي، وربما كانت لدى المخابرات الإماراتية معطيات عن المحاولة الإنقلابية المزعومة لمواجهة الحريري بها فانتقل الى هناك لساعات، طالما أن طائرته خط طيرانها مرسوم، الرياض – أبو ظبي – الرياض، والعائلة هي بغيابه في شبه إقامة جبرية.
أما استقبال الملك سلمان للحريري فهي لقطة هزلية، وكذلك لقاءات الأخير مع السفراء والديبلوماسيين، لأنه من السهولة أن يُملى على الحريري الإصرار أمامهم على استقالته للأسباب التي ذكرها، النفوذ الإيراني عبر حزب الله، وأنه مهدَّدٌ بالإغتيال، الى آخره من وقائع مُختلقة سعودياً.
الرئيس سعد الحريري مُتَّهم مع مجموعة مُتَّهمة بإنقلاب، وكفى التعامي عن هذه المُعطيات، وإذا كان فخامة الرئيس عون يتريَّث بانتظار إحتمال عودة الحريري للوقوف منه على ماحصل، فهو أيضاُ أدار الأزمة بحكمة ومسؤولية أذهلتا الداخل والخارج، خاصة أن فرقة الراقصين على الأضرحة في بيت الوسط يُطالبون بعودة الرئيس الحريري ويتمسَّكون به زعيماً ورئيساً للحكومة، ومع تضامننا مع الرئيس الحريري من منطلق كرامتنا اللبنانية، نأسف أن ورطته مع السعودية لن يُحرِّره منها سوى محمد بن سلمان، ولا زعيم في العالم سواء كان ماكرون أو سواه قادرٌ على انتشال الحريري من إقامة جبرية، قد تكون في فرنسا لاحقاً، وتبقى عائلته في الرياض هي الضمانة بأن يلتزم ما يتعهَّد به لو غادر السعودية…