– جلسة مع كاهن ( أمين أبوراشد )
***
أخبار عالنار – جمعتني جلسة مع كاهن يحمل دكتوراه في اللاهوت، ويحمل في عقله الوازن ألف دكتوراه في كل العلوم والشؤون، ومن ضمن المواضيع، تناول الأب الدكتور مسألة “الجودة والنوعية” في التربية المدرسية، ونقل لي عن خبير في هذا الشأن قوله لمديرة إحدى المدارس: لا أريد أن أعرف منكِ عن مستوى تعليم اللغات في مدرستكم، بل أريد من أبني بعد 15 سنة عندكم أن يحضر فيلماً أجنبياً بدون ترجمة، ولا أريد من إبنتي أن تنال علامة 18 على 20 في الكيمياء وتذهب الى المنزل وتخلط مسحوق تنظيف بآخر دون أن تقرأ التعليمات والمحاذير، ولا أريد أن يتعلَّم الأولاد مادة التاريخ من “تحوتمس” الى “محمد علي باشا” وفي بلادهم يتقاتلون على كتاب التاريخ.
لا أريد الإطلاع على مناهجكم، بل أريد أن أراها في أولادي عندما يكبرون، ولا أريد معرفة وسائل التربية عندكم بل في شخصية الطالب عندما يختلط بمجتمعه ويدخل سوق العمل.
ما همَّني أن يحفظ الطالب الإستظهار، وهو لا يتذكَّر سوى مقطع من النشيد الوطني، وما همَّني تربية وطنية وهو لا يُجيد التعامل مع الآخرين ضمن الأخلاق الإنسانية البديهية.
ما همَّني أن تكون معلوماته الجغرافية عن أميركا الجنوبية ممتازة، وهو لا يعرف أن تلال شبعا وكفرشوبا والقرى السبع مناطق لبنانية، وما همَّني تلقينه معلومات عن قادة الثورات والإستقلال في العالم، وهو يتضارب مع زميلٍ له لخلافهما على من هو البطل ومن هو العميل في بلاده.
ما همَّني تدريسه الأدب الجاهلي وصولاً الى الأدب الفرنسي، وهو لا يقرأ كتاباً لأديبٍ من وطنه، وما همَّني تدريسه مادة الفلسفة وهو بالكاد يرى الواقع الملموس، وما همّني تدريسه علم الرياضيات والمنطق وهو يتشاجر مع جارنا كل يوم بسبب موقف سيارة!
واختتم الأب الدكتور كلامه قائلاً: في مدرسة للراهبات، يوجد بأحد صفوفها طالب إسمه “علي”، وطبيعي أن “علي” لا يحضر دروس التعليم الديني، ولكن ما هو المانع بمناسبة عيد الأضحى أن أدخل وأُعايد “علي” أمام رفاقه، وأشرح بعضاً من المعلومات عن المناسبة، وإذا لم أفعل ذلك أنا وسواي في مدارس مسيحية أو إسلامية، كيف سيتعرَّف “جوني” على ثقافة “علي” ويأتي “حسن” الى الجامعة من مدرسة إسلامية ويملك معلومات عن ميلاد الطفل يسوع أكثر من أن “سانتا كلوز” يوزِّع هدايا؟!
على بساطة الأمثلة، أدخلني جليسي في متاهة وطنية مُعَقدة، منذ جلوس الطالب اللبناني على مقاعد المدرسة وصولاً الى الجامعة متفوِّقاً، مع “صفر” تربية في المُوَاطَنة، وينضوي تحت واحدٍ من الأحزاب، ويرتمي تحت أقدام زعيم ولو كان يحمِل شهادة متوسطة، لأن الزعيم “بيك”، ويدخل الشاب عالم السياسة من الباب الخطأ، ولا يُدرِك أن السياسة هي حُسن إدارة المجتمع والناس وأنه هو القُدوة لو أراد وليس الزعيم، وأن إنتخابات الخلايا الجامعية هي لخدمة الشؤون الطلابية وليست مُمَاحكات زواريب..
إنتخابات خلايا حزبية في الجامعة، وتصدُر النتائج! وتحتدم النقاشات، وتتحوَّل الى عراك، ويبدو طلاب الجامعة وكأنهم باعة في سوق الخضار وأبناء شوارع، لا بل زعران “فلتانين” من مقهى أراكيل، وهُنا نصِل الى نتيجة جزئية، أن “الجودة والنوعية” في التربية المدرسية هي في البيت، من عمر الإبتدائي الى آخر سنة جامعية، ولا لزوم لإرسال أولادنا الى المدارس والجامعات ليتخرَّجوا متفوِّقين مع “صفر” في الأخلاق، وإذا فعلنا ذلك وزِدنا عليهم معيار الأخلاق، يضيع أولادنا في مجتمعهم لأننا لا نعيش في وطن “المدينة الفاضلة” !!