– عن شخصيات للـ”بريستيج”.. وحاجتنا الى شخصيات كضاهر و خوري ( أمين أبوراشد )
***
منذ نحو أربع سنوات، ووسط أجواء الإحباط الساكن نفوس أبناء قرى الأطراف اللبنانية البقاعية، على خلفية ما يحصل في الجوار السوري، واستشعار المواطنين خطر الإرهاب، أطلعني صديق على برنامج عمل إحدى اللوائح المرشَّحة لإنتخابات رابطة مسيحية بصفته ضمن هذه اللائحة، وتوقَّفت معه طويلاً أمام البنود التي تتناول واجبات هذه الرابطة تجاه الأرياف اللبنانية، وضرورة تبديد قلق الناس من الغد القاتم، والحدّ من الهُجرتين الداخلية والخارجية فأجابني: يا صديقي لا تبنِ الكثير من الآمال علينا لأننا جماعة “برستيج“.
ليس هذا الصديق بحاجة لأن يشرح لي ماذا أنجزت الرابطة التي ينتمي إليها على مدى تاريخها، من “صفر” إنجازات على مستوى تنمية الأرياف، وبصرف النظر عن ما تتداوله بعض الوكالات من إشاعات، عن إتهام الكنيسة بالتقصير بحق المناطق التي شهِدَت تهجيراً، أو تلك التي صمد أهلها في ارضهم، فإننا نُطلق صرخة بإسم المسيحيين المُتشبِّثين بهذه الأرض لمساعدتهم على البقاء، وسط الإهمال في الرعاية الرسمية للمناطق التي تعتمد على القطاع الزراعي، ونلجأ في ندائنا الى المؤسسات الكنسية للمساهمة في دعم صمود الناس، ونتساءل عن دور الأديار المُحاطة بمئات الهكتارات في جبل لبنان، ويسكنها بضعة رهبان، ولا نطلب من الكنيسة وهب جزء من أراضيها للشباب المسيحي العاجز عن شراء شقة متواضعة ولا يجد أمامه سوى الهجرة سبيلاً، لكننا ندعو الى وحدة حال بين المجتمع المدني والكنيسة لإستثمار جزء من أرزاق الأديرة في مشاريع تنموية وإسكانية للمسيحيين.
ومن حقنا نحن المسيحيين في البقاع على سبيل المثال أن نتساءل، ماذا تُفيدنا مقرَّات مطرانيات تتعالى صروحاً من الفخامة والبهرجة، حيث الحجر بلا بشر، تدخل إحداها وتعيش السكون القاتل، وكأنك في “مطرانية على مكة”، نتيجة النزف في الهجرة الى بيروت أو الى الخارج، وإذا كانت لديك معاملة، فأنت خاضع لكل التعقيدات البيروقراطية كائناً من كان المطران، وأقصى ما تلعبه هذه المطرانيات من دور إجتماعي على سبيل المثال، هو ربما إحياء ذبيحة إلهية وخدمة طقسية، لزواج جماعي يُقيمه رجل الأعمال ميشال ضاهر للشباب المسيحي مرَّة في السنة بمدينة زحلة، بهدف تخفيف الأعباء عنهم وتشجيعهم لبناء أُسَر مسيحية تبقى في أرضها، ولم تُحاول هذه المطرانيات أو غيرها من المؤسسات الكنسية والتابعة للكنيسة، معرفة أوضاع هؤلاء ومصادر رزقهم ومشاكلهم المادية وأين سوف يقيمون ليبقوا في هذه الأرض.
وإذا كان السيد ميشال ضاهر “مُتَّهم” بأنه مرشَّح للنيابة، – وليته يغدو نائباً لأن البقاع يشمخ به -، فماذا عن السيد غسان خوري رجل الأعمال العصامي الناجح من بلدة صغبين في البقاع الغربي، الذي كان رائداً في أفكاره، وساهم في بناء 48 شقة سكنية ضمن مُجمَّعٍ فخم بين بلدتي عين زبدة وصغبين وهدفه واحد: وقف هجرة شباب المنطقة الى المدن أو الى المُغتربات!
السيد غسان خوري، روم كاثوليك، مما يعني بكل بساطة أنه لا يطمح لمقعد نيابي غير موجود في دائرة البقاع الغربي راشيا، وهذا الرجل الوفي لأرضه وبلدته لم يحتمل رؤية هذا النزف في هجرة الشباب، وقرر بمبادرة فردية وبالتضامن مع الوقف الكاثوليكي برعاية مطرانية الروم الكاثوليك، تأسيس جمعية تعاونية “غير ربحية” ودَعَمها من ماله الخاص وبنى ما يوازي نصف قرية، ومكَّن الشباب البقاعي من شراء شقق فخمة بأسعار تشجيعية وتسهيلات، ولم يكسب سوى إرضاء ضميره لأنه ليس ذلك المقاول بل هو ذلك المقاوِم!
ختاماً، ومن وجع المعاناة التي يعيشها الشعب المسيحي في لبنان، نتوجَّه الى قداسة البابا فرنسيس، بصفته بابا الفقراء والضعفاء ونقول لقداسته: لسنا ضدّ مرجعياتنا الدينية التي نحترم، لكن كل اللقاءات وأعمال السينودوس التي تقتصر على رجال الدين غير كافية، ومن حقِّنا المُطالبة ببحث مُعاناة الشعب المسيحي وعذاباته وخوفه من المستقبل الأسود بأسلوبٍ حديث يُحاكي مستلزمات البقاء، ونُطالب بـ “سينودس ديني – مدني مشترك” ودائم، يجمع الى جانب الأساقفة، شخصيات مدنية من أمثال ميشال ضاهر وغسان خوري، ودينية تعيش عذاباتنا كما الأب الزاهد مجد علاوي، إضافة الى الكثير الكثير من أمثال هؤلاء الأفاضل، لطرح المشاكل واستنباط الحلول العملية، وعندها نضمن لكم وتضمنون، أننا في أرضنا باقون وليتمجَّد إسم الله على أرض لبنان لنُكمل مع مسيحيي الشرق مسيرتنا الإيمانية على دروب بولس الرسول والسلام…