تماماً كما أُطلِقتَ حملة ممنهجة في السياسية والإعلام، للتخفيف من وهج انتصار الجيش في عملية فجر الجرود، قبل أن تجفَّ دماء الشهداء، تبدأ في الساعات المقبلة، وتليها في الأيام الآتية، وقبل أن يجفَّ حبرُ التوقيع الرسمي على نتائج فحوص الحمض النووي، حملةٌ مبرمجة محددةُ الأهداف، عنوانُها الرئيس: التنصل من المسؤولية عن احداث آب الأسود، وعناوينُها الفرعية: تبرئة المذنبين بالارتكاب، وحَرْفُ الأنظار عن المقصِرين، وقراءة التاريخ القريب بشكل مُشوَه…
في الساعات المقبلة، سيروجون أن الظروف السياسية لم تكن مناسبة. وفي الأيام الآتية سيسوقون أن خوض المعركة لم يكن متاحاً أو ممكناً على المستوى العسكري.
بكلماتهم المنمقة، وتعابيرِهم المختارة، وأساليبِهم الملتوية المعتادة، سيضرِبون عرضَ الحائط مفهومَ الدولة، ومعنى الدفاع عن النفس، وقيمة الشرف والتضحية والوفاء.
سيقولون بكل وقاحة: الأوضاع الدولية والإقليمية حالت دون قيامِنا بواجبنا يوم سُحِل بيار بشعلاني وابراهيم زهرمان، والمقتضيات المحلية سياسياً وطائفياً ومذهبياً منعتنا ذات يوم من اتخاذ قرارِ فرضِ سلطة الدولة من طرابلس إلى عكار وما بينَهما… وصولاً إلى استعادة عشرات العسكريين المخطوفين على أيدي عصابات.
أما ما لا نتوقعه أو ننتظره من أيٍ منهم، فهو تحمُلُ المسؤولية. وهو بكلام أوضح، أن يفكروا بالوقوف وجهاً لوجه في حضرة أهالي العسكريين الشهداء، وأن ينظروا بجرأة إلى عيني حسين يوسف مثلاً، وأن يقولوا له بكل جرأة: نحن نعتذر. نعتذر لأنا خُنَاك. نعتذر ولأنا كذبنا عليك، ونعتذر لأن بِعنا دمْ ابنِك بكرسيٍ لا نستحقُه، وفي المحصلة، لم نحصل عليه.
وفي كل الأحوال، قد يكون الاعتذار غير المتوقع ،مهماً وضرورياً ومطلوباً من المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عما جرى. أما الأهم، والأكثر ضرورة، والمطلوب من جميع اللبنانيين، الذين التفوا كما دائماً حول جيشهم البطل، الذي أثبت أن لبنان وطن قابل للحياة… المطلوب منهم جميعاً أن يُثبتوا بدورهم ولو لمرة، أنهم شعب لا ينسى، وأنَ ذاكرتَهم ليست ضعيفة، وأنهم سيحاسبون قضائياً وديموقراطياً، المقصِرين والمحرِضين والمتدخِلين والفاعلين، الذين فرَطوا ذات يومٍ بجيش لبنان، وشعبِ لبنان، البطل الواحد في أقنومين، كما سماهما يوماً ما قائدٌ رمزٌ، لن يَسمح على عهده، بأن يُقتل شهيدٌ مرتين.