أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


ترامب لمُعارضيه: أنا أو الحرب الأهلية!

ليلى نقولا

الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، قد لا تكون ضرباً من الخيال أو التنبّؤات، ولكن كل شيء يشي بأن هناك ناراً تحت الرماد في المجتمع الأميركي، وأن القوميين البيض الذين استطاعوا إيصال مرشّح يتكلّم لغتهم إلى البيت الأبيض ويُخاطب وجدانهم وعنصريّتهم، لن يسمحوا بإخراجه بالقوة أو محاكمته… ويبدو أن ترامب الذي عَرف جيّداً كيف يستغلّ غَضَبَ هؤلاء وعُنصريّتهم للنجاح في الانتخابات، ما زال قادراً على استخدامهم لتهديد خصومه في الداخل، بمُعادلة: أنا أو الحرب الأهلية

منذ استلامه السلطة، يُعاني الرئيس دونالد ترامب من معارضة شديدة في الداخل، ومحاولة عزْل وهجوم حاد من الإعلام والسياسيين في داخل أميركا وحتى في أوروبا.

ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث على الأقل، يُعاني رئيس أميركي من اعتراضات بهذا الحجم، وتسيير تظاهرات في الشارع مباشرة بُعيْد انتخابه، كون النظام الأميركي لطالما أعطى شرعيّة للرئيس ومَنَحَه صلاحيات واسعة، وأكسّبه هالة تعينه على تنفيذ سياسة خارجية قوية، يفرضها في الخارج باعتبار الولايات المتحدة هي القوة الأعظم في العالم، وتحتاج دائماً إلى إبراز القوة والهيبة على حلفائها وأعدائها على حدٍ سواء.

وفي الأشهر المُنصَرِمة، صدر العديد من الأصوات المُطالِبة بعزْل الرئيس وتقديمه للمحاكمة أو استقالته. وقد قام عضو الكونغرس الأميركي الديمقراطي آل غرين بالتعاون مع عضو الكونغرس الجمهوري بتقديم لائحة اتّهام مُطالبين بمحاكمة الرئيس “لعرقلته العدالة”، في مَعرض إقالته مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي. علماً أن الدستور الأميركي، يُجيز تقديم الرئيس للمُحاكمة، في حال ارتكابه “سوء الممارسة أو إهمال واجباته كرئيس”، وقد ضيّق المُشترع الأميركي تفسيره لهذه الجريمة، وحدّدها بـ “الخيانة العُظمى، وتلقّي الرشوة”. وهذا يعني أن “عرقلة العدالة” كما يُشار إليها هنا، لا تنطبق على “سوء المُمارسة” لمُحاكمة الرئيس أو تجريمه، كون الرئيس الأميركي يتمتّع بصلاحيات واسِعة منها حقّه في إقالة مَن يشاء وتعيين مَن يشاء من دون مُبرّرات.

وبالرغم من كل هذا، اشتدّت الضغوط على الرئيس ترامب وفريق إدارته وتوالت الفضائح حول علاقة مُقرّبين منه بالروس، ووصلت التحقيقات إلى داخل بيته. وكما هو معروف في المُمارسة السياسية الدولية، فإن إحراج الرؤساء في الداخل عادة ما يدفعهم إلى التوجّه إلى الخارج للحرب أو التهديد بالحرب، أو استخدام الذرائع حول “وجود عدو” لإسكات الأصوات في الداخل كون “العدو يتربّص بنا”، و”نحن في معركة مصير ووجود” أو “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”…. وهي كلها من السلوكيات المعروفة لدى قادة الدول.

ولم يشذّ ترامب عن هذه القاعدة، فعندما اشتدّ الضغط عليه في المرحلة السابقة، قام بتهديد الرئيس السوري بشّار الأسد، فافتعلت المجموعات المُسلّحة في سوريا “حادثة خان شيخون الكيمياوية”، التي أعطت الذريعة لترامب، لقصف مطار الشُعيرات، وهو ما أدّى إلى خروج كثيرين ممن كانوا يعارضونه للترحيب والتصفيق لتلك الضربة، باعتبار ترامب “بات اليوم رئيساً للولايات المتحدة” كما عبّر دايفد أغناتيوس.

لكن سُرعان ما خَفَتَ وَهْجُ تلك الضربة وبات مطلوباً من ترامب تقديم المزيد من العَسكَرة والتدخّل المُباشَر في سوريا، وهو أمرّ حذّر منه البنتاغون، إذ أتت الرسائل الروسية واضحة ومُنبّهة من مغبّة التمادي في الاستفزاز في سوريا.

وعندما ازداد سيْلُ الفضائحِ واشتّدت الحملاتُ السياسيةِ وبدأت التحقيقات تتوالى وتصل إلى أقرب الدوائر المُحيطة بترامب، برَزَت أزمةُ كوريا الشمالية، وقام ترامب بالتصعيد مُلوِّحاً بحربٍ نووية، سُرعان ما تبيّن أنها ستكون صعبة وسيكون بمقدور كوريا الردّ على التهديد الأميركي بتهديد مُماثِل.

وفي خِضّم هذا الجو المحموم دولياً، وخروج الأصوات المُحذِّرة من خطورة أيةِ حربٍ نوويةٍ على مصير العالم برُمّته، تبيّن أن الخيار بالهروب إلى الأمام من خلال حربٍ في الخارج قد لا يكون بمُتناوَل ترامب، برزت حوادث شارلوتزفيل Charlottesville في فيرجينيا بين القوميين البيض ومعارضيهم، والتي شهدت انتشار ميليشيات مُسلّحة تُروِّع المواطنين، وأدّت إلى إعلان حال الطوارئ، لتُعطي إنذاراً واضِحاً بما قد تؤول إليه الأمور في حال عَزْل ترامب أو اغتياله أو دَفْعهِ إلى الإستقالة.

الحرب الأهلية في الولايات المتحدة، قد لا تكون ضرباً من الخيال أو التنبّؤات، ولكن كل شيء يشي بأن هناك ناراً تحت الرماد في المجتمع الأميركي، وأن القوميين البيض الذين استطاعوا إيصال مرشّح يتكلّم لغتهم إلى البيت الأبيض ويُخاطب وجدانهم وعنصريّتهم، لن يسمحوا بإخراجه بالقوة أو محاكمته… ويبدو أن ترامب الذي عَرف جيّداً كيف يستغلّ غَضَبَ هؤلاء وعُنصريّتهم للنجاح في الانتخابات، ما زال قادراً على استخدامهم لتهديد خصومه في الداخل، بمُعادلة: أنا أو الحرب الأهلية

أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

المصدر: الميادين