أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


غاب الانتحاريون ليحل مكانهم جلادو الذات: الجيش لم يتأثر بكل الضغط المعنوي ومستمر في المداهمات

عماد مرمل-

لعل أغرب ما حصل بعد العملية الاستباقية النوعية التي نفذها الجيش في بعض مخيمات عرسال هو ان «الفرع» طغى على «الاصل»، والتفاصيل ابتلعت الجوهر، بحيث صارت «الآثار الجانبية» للعملية، أهم بالنسبة الى البعض، من الانجاز النوعي الذي تحقق وأدى الى احباط هجمات ارهابية.
غاب الانتحاريون الذين فجروا انفسهم بالعسكريين عن المشهد ليحل مكانهم الاختصاصيون في جلد الذات، وسقطت عمدا من التداول الاحزمة الناسفة والمتفجرات المكتشفة ليتم اختزال الضربة الوقائية بمقاربات جزئية لا تغطي كل زوايا الصورة.

ربما تكون قد وقعت أخطاء خلال مداهمة مخيمات عرسال او اثناء التحقيق مع الموقوفين، لكن طريقة تناولها والاضاءة عليها تنم عن خطيئة بحد ذاتها.
بين التصويب على الجيش وتصويب أدائه فارق كبير، وما حدث هو الخلط بين الامرين، فاصيبت المؤسسة العسكرية بـ «نيران صديقة» في الظهر الذي يُفترض ان يكون محميا لا مكشوفا، خصوصا ان المعركة تخاض ضد ارهاب شرس يمكن ان يستفيد من اي خلل، للتسرب والتسلل في هذا الاتجاه او ذاك.

والمفارقة، ان هناك من بادر الى اصدار احكام قاسية على الجيش، قبل انتهاء التحقيق في ملابسات ما جرى واتضاح الحقائق، علما انه حتى لو تبين ان هناك تجاوزات ارتكبت في سياق المداهمة او بعدها، فان الحكمة والمصلحة تستوجبان معالجتها بمسؤولية واتزان، على قاعدة استخلاص الدروس المطلوبة ومحاسبة الافراد المرتكبين حصرا، من دون التعميم الذي يشمل المؤسسة ككل.

ولعله من المفيد الاشارة الى ان أهم الجيوش في العالم واكثرها تطورا وتنظيما ترتكب اخطاء في سياق اعمالها العسكرية، واحيانا تكون كلفتها مرتفعة جدا، وليس ادل على ذلك مما ارتكبته مرارا قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق، وكذلك القوات الروسية احيانا.

واخطر ما في الحملة التي استهدفت الجيش، انها أوحت بان هناك من تعمد افتعال الضجيج وتضخيم الثغر المفترضة لمحاولة تكبيل المؤسسة العسكرية وتقييد تحركاتها ضد الارهابيين، سواء في مخيمات النزوح او في خارجها، وهو الامر الذي تنبهت له اليرزة وقررت مواجهته على طريقتها، من خلال قرارها بالمضي في حربها الاستباقية على الارهاب، في كل مكان وزمان ضروريين، وبالتالي عدم التأثر بالتشويش الذي تعرضت له.
لا يعني ذلك باي شكل من الاشكال ان المطلوب قمع حرية التعبير ومنع توجيه النقد للمؤسسة العسكرية، تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، إلا انه من الضروري في الوقت ذاته عدم استبدال النقد الصحي بقنابل صوتية او دخانية، من شأنها ان تشوش على الجهد الذي يبذله الجيش في مواجهة الخطر التكفيري الذي يهدد لبنان، لا سيما في هذا التوقيت الدقيق.

وفيما تولت مديرية حقوق الانسان في الجيش التحقيق في بعض الظروف الملتبسة التي واكبت عملية مخيمات عرسال، استنادا الى محاضر موثقة وتقارير الطب الشرعي وإفادات شهود وشهادات عسكريين… يلتقي الرئيس سعد الحريري في السراي الحكومي، اليوم، العماد جوزيف عون الذي يُرجح ان يسلم رئيس الحكومة نتائج هذا التحقيق، علما ان الحريري كان قد استوضح خلال اتصال هاتفي مع عون ملابسات العملية، متمنيا عليه اجراء التحقيق الضروري، فابلغه قائد الجيش بان المؤسسة العسكرية باشرت فيه.

وتفيد المعلومات ان التحقيق توصل الى قناعة بأن وفاة اربعة موقوفين من السوريين لم تحصل نتيجة التعذيب وانما بفعل حالات مرضية.
ووفق اجواء القيادة العسكرية في اليرزة، ليس لدى الجيش ما يخفيه او يخاف منه، وإذا تبين بموجب التحقيق ان عناصر ارتكبوا اخطاء فردية في التصرف اثناء تنفيذ العملية الاستباقية او خلال استجواب الموقوفين، فهم سيخضعون الى المساءلة والمحاسبة تبعا للآليات المعتمدة، ولا حرج في ذلك.
مناعة الجيش
وهل من انعكاس محتمل للحملة التي تعرض لها الجيش خلال الايام الماضية، على استراتيجيته المعتمدة في محاربة الارهاب وملاحقة مجموعاته المتغلغلة في بعض مخيمات النازحين السوريين؟

يبدو ان هذه الحملة تركت مفعولا عكسيا لدى قيادة الجيش التي استشعرت وجود نيات خبيثة خلف بعض الاصوات الاعتراضية، ما زادها اصرارا على المضي في الحرب الوقائية، المصحوبة بالضوابط الضرورية. وقد سُجل في الساعات الماضية حصول اكثر من مداهمة عسكرية لأهداف مشبوهة، في دلالة على تمسك الجيش بالمسار الذي يسلكه.

وربما ليس أدل على نية الجيش مواصلة معركته ضد الارهاب، من بيت الشعر الذي ردده احد كبار الضباط امام سامعيه: «أفي كل يوم تحت ضِبني شويعر.. ضعيف يقاويني قصير يطاول».

وتؤكد مصادر عسكرية لـ «الديار» ان الجيش لم يتأثر بكل الضغط المعنوي الذي تعرض له، وهو مصمم على الاستمرار في مداهمة اي مخيم للنازحين السوريين، متى وجد ان هناك خطرا ينبغي التصدي له، لحماية لبنان واستقراره الداخلي.

وتستغرب المصادر ان يتجاهل المتحاملون على الجيش واقعة وجود اربعة انتحاريين مزنرين بأحزمة ناسفة وتفجير انفسهم بين العسكريين والمدنيين، اضافة الى ضبط كمية من الاسلحة والمتفجرات، متسائلة عن كيفية القفز فوق هذه الوقائع في معرض مراجعة مسار العملية العسكرية التي نفذها الجيش في عدد من مخيمات منطقة عرسال.

وتجزم المصادر بان احدا لا يستطيع بصراخه ان يقيد الجيش الذي لم يعر اهتماما في الاصل لاصوات التحريض، مشيرة الى ان هناك قرارا حازما لدى العماد عون والقيادة بعدم السماح لأي كان، ومهما كانت الظروف، بتحويل مخيمات النازحين الى بيئة حاضنة لمجموعات ارهابية، والجيش سيداهم كل بقعة مشبوهة في تلك المخيمات او في اي مكان من لبنان.

-الديار-