أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


ايلي الفرزلي: زمن تجيير المسيحيين انتهى واستعادة الحقوق ما زال في البدايات

– لتجديد الـ”Intellegencia” المسيحية بغضّ النظر عن التحالفات الإنتخابية.
– 
عن الدور المسيحي والتحولات والثقة وتجييرهم حوار ساخن جمع الفرزلي مع مجموعة سفراء (التفاصيل)

***

خاض نائب رئيس المجلس الوزراء الأسبق ايلي الفرزلي، معركة استعادة المسيحيين لحقوقهم الدستورية من منظار استراتيجي، وهو العارف لكثيرٍ من تفاصيل مزايا ومطبات وعيوب الحياة السياسية في لبنان.. ومع اقرار قانون انتخابي قائم على النسبية، يُجدّد الحياة السياسية برمتّها، موقع “Agoraleaks.com” التقى الفرزلي في منزله، وكان هذا الحوار:   

يعتبر نائب رئيس مجلس النواب الأسبق ايلي الفرزلي، أنّ تراجع الدور المسيحي في النظام، لم يكن ظرفياً وتكتياً، لأنه جاء نتيجة تطورات سنوات وعقود من التحولات اللبنانية والإقليمية والدولية.

تراكم هذه الظروف برأيه، أطاحت بالدور المسيحي بالكامل. يقول: المسائل كانت مخبأة خلف الوصاية السورية، والتراجع هذا لم يكن فاقعاً لأنه استطاع “المايستور” السوري تقوية الموقع الرئاسي الى حدٍّ مقبول، ولكن مع عودة مسائل الحلّ والربط لإرادة اللبنانيين، تبيّن أنّ الدور المسيحي بات شكلاً ليس الاّ… يضيف الفرزلي: أبرز دليل، ما حصل للرئيس اميل لحود، فبحجّة العداوة لفريق 14 آذار، تمّ إدارة الضهر له بالكامل، وتمّ توقيع معاهدات دولية دون السؤال عنه.

نسأل الفرزلي، عن تحديد مكمن العلة إن كانت من الشركاء بالوطن أو لوجود ظروف إقليمية مؤثرة، يقول: لا شك أنّه يوجد أخطاء ذاتية مسيحية في إدارة شأن النظام السياسي، وفي إدارة الأمانة التي وُضعت بين ايديهم مع تأسيس الكيان. ولكن هذه الأخطاء لم تكن بنتائجها تُبرّر الذي حصل معهم.

يفسّر الفرزلي كلامه أكثر بالإستناد الى وقائع ما بعد بعد اقرار اتفاق الطائف، يقول: “عال دفع المسيحيون أثمان الحرب الأهلية، وجاء اتفاق الطائف. لماذا لم يُنفذوه؟ أثناء الوجود السوري، كانوا يعزون السبب لغازي كنعان وعهد الوصاية، لكن إن دققنا في الأمور لم يكن للسوري اليد الطولى في مسألة تقهقر المسيحيين، رغم وجود تكامل بين الفرقاء اللبنانيين مع قادة الوصاية السورية (عبد الحليم خدام – غازي كنعان)، وشخصياً دفعت ثمن معارك مريرة في هذا المجال، وكلّها موثقة لديّ…

كلام الحريري مفصلي

يتابع الفرزلي حديثه: خرج السوري من لبنان، ولكن النهج بقيَ على حاله. وهذا ما يؤكد وجود شراهة لدى الطرف الآخر، فهم يعتبرون أنّ ما حصل بعد اتفاق الطائف هو النمط الذي يجب أن يُعتمد مع المسيحيين، رغم التناقض الكبير بين نص اتفاق الطائف وتطبيقاته. واكبر دليل على ذلك تأكيد رئيس الحكومة سعد الحريري من قصر بعبدا إثر اقرار قانون الإنتخاب الجديد، على وجود هضم لحقوق المسيحيين من جهة، وعلى وجود الطائفية والمذهبية كركن مجتمعي أساسي للدولة اللبنانية من جهة ثانية. يعقّب الفرزلي على كلام الحريري بالقول: وهذا الكلام بما لا يقبل الشك، يعطي الأحقية الكاملة للأسباب الموجبة لإقتراح القانون الأرثوكسي، بعد السعي لإدارة الظهر لها.

برأي الفرزلي مسألة انهيار الدور المسيحي على مدى عقود وسنوات، لأسباب موضوعية ذاتية، لا يمكن استعادتها بلفتة عين مجرّد الإنتباه اليها وقولها، يقول: المسألة بحاجة ايضاً لمسار تصاعدي، وبداية الطريق، كانت اعادة انتاج الوعي لدى المسيحيين والثقة بأنفسهم. وشخصياً مع إطلاق إقتراح القانون الأرثوذكسي عام 2009، على أهميته التقنية لجهة انّ لبنان دائرة واحدة تعتمد النسبية ضمن الطوائف، لتُنتج كل طائفة نوابها، بتفجير الطوائف من الداخل، وسحب الصراع ما بين السنة والشيعة، ليتنقل الى داخل الطوائف.. الأهمّ من هذا كلّه هو الأسباب الموجبة لإعتماده، الإقرار بأن لبنان هو كيانات مذهبية، ولكلٍّ منها ثقافته وماليته وطقسه وعلاقاته مع الخارج.. وبالتالي هذه الكيانات المذهبية تُشكّل بواقع الحال المعيوش ضابطاً مستقلاً عن الدولة المركزية.

ولإثبات الفرزلي ضعف الدولة المركزية تجاه الكيانات المذهبية، يعطي مثال النواب الذين يتجرأون في مناقشات العامة داخل مجلس نواب لقول أي شيء حتى الشتم، او التحدث بأتفه الأمور، دون ان يتجرأوا على فعل ذلك ضمن كياناتهم المذهبية.. يضيف الفرزلي: “بعد الوعي الذاتي للمسيحيين، كان لا بدّ من استعادة الثقة بالنفس والدور، وفي هذا المجال خضت جولات بعيدة عن الإعلام مع قادة زمنيين وروحيين، لشرح وترسيخ الأسباب الموجبة لاقتراح القانون الأرثوذكسي بغية اعتماده..

تجيير المسيحيين

Elie-Furzli

يلفت الفرزلي الى مسألة بالغة الأهمية في مسألة استتباع المسيحيين، يقول: نتيجة ارتباط المؤسسات المسيحية في العالم الغربي، تمّ تجيير مصالح مسيحيي لبنان وقدراتهم الإقتصادية الى السنية السياسية والخليج.. يقول: هذا الأمر مع الأسف كان معروفاً لأي ضليع بالشؤون الإقتصادية والدبلوماسية، وهذا ما كانت على دراية به جيداً دبلوماسيات الدول الغربية وموافقة عليه، يقول الفرزلي: هذا الكلام خبرناه أثناء ترسيخنا فكرة مجيء الرئيس المسيحي القوي الى رئاسة الجمهورية، ففي حفل غداء لدى السفير الباكستاني، احتدم النقاش مع مجموعة سفراء عرب وغربيين قبيل اسبوع من انتخاب الرئيس عون؛ فتعنّت الدبلوماسيين الغربيين لموضوع مجيء الرئيس القوي كان صادماً، فهم للأسف متحمسون لإبقاء تسوية تجيير مسيحيي لبنان للطرف اللآخر كما فعل الرئيس الفرنسي جاك شيراك…

تفتت القوى المسيحية

يكمل الفرزلي مقاربته حول مسألة استنهاض المسيحيين لدورهم، يقول: إضافة الى دور اليهود في العالم والمتغلغل في الإعلام والإقتصاد، ورفضه لنهضة مسيحية لبنانية، هناك عامل تفتّت القوى المسيحية، كان لا بدّ من معالجته.. وفي هذا الإطار أيضاً كان لي مساهماتي في تقريب وجهات النظر بين المسيحيين، انطلاقاً من طرح اللقاء الأرثوذكسي لقانونهم الإنتخابي… فشكّل الحديث حول قانون الإنتخاب، التقاطع المفيد بين مختلف الأطراف المسيحية، فكان عنوان استعادة الحقوق والمناصفة عنوان تلاقي المسيحيين، وجاءت مقالة العماد عون العلنية “لماذا قانون اللقاء الأرثوذكسي؟” المذيل بامضائه في صحيفة السفير، دفعاً استراتيجياً في اتجاه استعادة الحقوق.

يشير الفرزلي الى مسألة فشل رهانات الفريق الآخر المحلي – الدولي، رغم تسريبه عمداً من أن نسبة المسيحيين 20% بخلاف الحقيقة، وقولهم من جهة ثانية أنكم منقسمون، نحن نؤيد مطالبكم شرط الإتفاق بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية، وكان كلّ مطلب محق يخصّ المسيحيين يُرفع بوجهه شعار، “روحو اتفقو يا مسيحيي وتعوا”.

يقول الفرزلي إتفاق المسيحيين الذي حصل، جاء مكملاً لحجر الزاوية فيما يخصّ استعادة الدور المسيحي، مع توقيع وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله، وبالتالي فانّ الرؤية الإستراتيجية للرئيس عون عن واقع المنطقة، وتطوراتها السياسية، أوصلتنا فيما بعد الى ما نحن عليه اليوم.

وبرأي الفرزلي، طرح قانون اللقاء الأرثوذكسي واعتماده من قبل الأحزاب المسيحية في بكركي، كان دافعاً للهروب من الواقع المسيحي المستجدّ عبر تمديدين انتخابيين حجتهما درس قانون جديد، ففي التمديد الأول تعطّل مشروع قهر الرئيس عون مسيحياً لجعله زعيماً عادياً، وفي التمديد الثاني سعوا فرملة تلك اليقظة المسيحية.. يقول: تمديدان للمجلس النيابي 17 شهراً، لم يناقشوا فيه قانون الإنتخابات بطريقة جدية، ولولا تدخلات الرئيس عون المفصلية، كان يُراد له اتهامه بقبوله بقانون الستين، للإنقضاء على عهده…

غزل بالمسيحي

وصول الرئيس عون بشخصيته وتاريخه وما يمثّله في الوجدان اللبناني والمسيحي، برأي الفرزلي أعاد تموضع المسيحي في النظام بعد طول تهميش، واليوم باتت رئاسة الجمهورية محورالحركة التي يقوم بها العماد عون… واتفاقه مع تيار المستقبل وسعد الحريري، مع التهاب المنطقة في الصراع السني – الشيعي، يكمل الدور المسيحي الفعلي في المنطقة، فباتوا هم بموقع الودّ من قبل الأطراف جميعاً، كما المرأة الجميلة التي يطلب التودّد منها جميع الرجال.

واستعادة الدور المسيحي كمسيرة رغم أنه ما زال في بداياته، هي في نمو تصاعدي، كأمر واقع جديد على الطبقة السياسية، وهذا ما حتّم على وريث وليد جنبلاط تيمور وضع اكليلاً من الزهور على ضريح شهداء الذين توفوا اثر مقتل كمال جنبلاط.

حماية المسيحي تطبيق القانون

ويتمنى الفرزلي أن يقرأ مسيحيو لبنان جيداً المعطى الإقليمي والدولي المؤيد لإستعادة دورهم بتواضع على أهميته، راجياً أن يكون المسيحي رائداً في مجال تهدئة الأحوال المتفلتّة في المنطقة بغضّ النظر عن التحولات الدولية، يقول: الظروف المؤاتية لإستعادة الدور أتمنى الاّ تُفهم أن تعود الدولة للمسيحيين، نحن نعمل لكي يعود المسيحيون الى الدولة… والمسيحي اللبناني ليس لديه مشروعاً للهيمنة والسيطرة على الآخر، وجلّ ما يريده المسيحي هو السير بالدستور والقانون، وهي الضمانات الحقيقية لإبقاء وجودهم فاعل، كون المكونات الأخرى، لديهم عناصر حماية خارجية وداخلية. وقانون الإنتخابات الذي أقرّ مؤخراً هو رأس خيط الترجمة الفعلية لعملية النهوض المسيحي، بعد أن كان قانون الستين هو رمز انهاء دورهم.

التيار – قوات

ورداً على سؤال امكانية خربطة تلاقي المسيحيين بعد مصالحة معراب، في ظلّ قانون “نسبي” مضطر فيه كل فريق سياسي ان يبرز حجمه، يقول الفرزلي: لطالما عاش المسيحيون التنوّع في بيئتهم، لا خوف من تنافس الأخوة انتخابياً، المطلوب من جميع الفرقاء إعادة انتاج نوعية النخبة المسيحية بغضّ النظر عن التحلفات. المطلوب تقديم نواب ووزراء يتعاطون الشأن العام يُحتذى بهم. وبالتالي واجب علينا الإنتقال من تقديم مرشحين رجال أعمال ضمن خطنا السياسي، الى رجال سياسة قادرون على تقديم اغراء جدّي للمسلم والعالمين الغربي كما العربي. الـ”Intellegencia” المسيحية يجب تجديدها من الرميم لتقدّم نموذج آخرعن المتعارف عليه، فالمسيحي يجب أن يقدّم نخبة جديدة لجذب الآخر بطاقته الفكرية، والعلمية، وأخلاقياته، ودوره.. والاّ ما الحاجة اليه.

ولأن العصر الجديد برأي الفرزلي بدأت تباشيره، يدعو النائب السابق عن البقاع الغربي المسيحيين الى التريث، يقول: رغم وصول الرئيس عون الى الرئاسة الأولى واقرار قانون إنتخابي قائم على النسبية، ما زلنا في البدايات، ما زالت مسيرة المسيحيين في بداياتها…

 

نسأل الفرزلي في الختام، عما إذا كان مرشحاً للإنتخابات النيابية، يقول: احتمال الترشح وارد بقوة، المسألة متروكة للوقت الكفيل بانقشاع الأمور.