ما أرهبها ساعة يحلّ فيها الروح القدس على زعماء لبنان ليخرجوا بعد أيام بقانون انتخابي جديد. ما أرهبها ساعة يتوجه فيها اللبنانيون الى صناديق الاقتراع وكلّهم أمل بأن صوتَهم له قيمة وبأن “المحادل” ما عادت سياسةً ناجعة في عهد رجل واحدٍ إن وعد وفى: ميشال عون.
بعد أيام، لن يكون حبُّ اللبنانيين الأوفياء وحتى المشككين “نسبيًا” للعماد الوافد الى قصر بعبدا والنائم والصاحي كلّ يوم على هاجس الإيفاء بوعدٍ قطعه على ربّه ونفسه قبل اللبنانيين بأن يكون عهده مميزًا وبألا يكون مجرّد رئيسٍ عابرٍ ينتشي بملاعق القصر المذهّبة ويغادر محملًا منها ومن جيوب اللبنانيين.
قيمة البُشرى!
ليس ميشال عون رئيسًا عاديًا ولا يصبو الى أن يكون عاديًا. كثيرًا ما يحرص على قمع “أناه” التي لم تفلح حتى الساعة رغم زحمات المحبة في الظفر على ما يعتبره واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا، فكم بالحري إذا تعلّق الأمر بحقٍّ مقدّس من حقوق المواطنين: الانتخاب على أساس قانون منصفٍ وعادل. لم يخيّب ميشال عون آمال اللبنانيين ولا نكث بعهدٍ قطعه عليهم وكرّسه في خطاب القسم وفي البيان الوزاري، فكان إفطار القصر أمس الأول بمثابة محطة بلا قيمة مكانية وزمنية أمام قيمة ما حمله من بشرى سارّة للبنانيين عنوانُها العريض الاتفاق على قانون جديد للانتخابات ما هو سوى النسبية على أساس 15 دائرة، مع ترك التفاصيل للساعات القليلة المقبلة من دون ترك شيطانها يُمعن في التحرّك كي لا يُفشِل كل ما تمّ إنجازه.
اقتراب موسم الحصاد
لو كان التفاؤل حقلًا لاقترب موسمُ حصاده لكثرة ما يُزرَع منه هذه الأيام في كل الدور ولكثرة ما يتسرّب منه هذه الأيام من كلّ الكواليس. انتهى السباق مع الوقت كما انتهت المناكفات السياسية القائمة على نكاياتٍ وتفاهاتٍ وحان وقت القطاف. حان وقت الجدّ والعمل الذي سيستغرق مع وزارة الداخلية وحدها ما يناهز الأشهر الستة كحدٍّ أدنى للاستعداد للانتخابات على أساس قانون جديد ولإعداد الكادر البشري العامل أولًا قبل الولوج الى شرح القانون بتفاصيله وماهياته للمواطنين لا سيما أن الصوت التفضيلي قد يقتحم المعادلة أيضًا فرادى أو ازدواجًا بمعنى أنه قد ينتصر صوتٌ تفضيليٌّ واحدٌ في الصيغة الانتخابية الجديدة أو ربما اثنان في حال رسوّ القرار على اتفاقٍ من هذا القبيل.
شتائية…
صحيحٌ أن الصورة باتت واضحة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، بيد أن بعض اللقاءات التشاورية والخلوات الثنائية لا تضرُّ بشيءٍ بقدر ما تُسهم في تسريع وتيرة الاتفاق على التفاصيل المتبقيّة، والتي بات نقل المقاعد منها وراء الظهور، فيما بقيت بعض اللمسات الأخيرة على بعض الدوائر والصوت التفضيلي، قبل الانطلاق في التحضير اللوجيستي الذي من شأنه أن يستنزف وقتًا كفيلًا بجعل الانتخابات شتائيّة بامتياز. ولهذه الغاية حلّ نائب رئيس الهيئة التنفيذية في حزب “القوات اللبنانية” النائب جورج عدوان ضيفًا على رئيس الحكومة سعد الحريري أمس لا سيما أن عدوان الذي كُنِّي القانون به عُرِف في الآونة الأخيرة بأنه الدينامو الذي عبره تُنقَل الرسائل الانتخابية لا سيما من عين التينة الى الرابية والقصر.
ترتفع الصرخة!
في هذا الوقت، ترتفع الصرخة في بعض الدور السياسية التي بدأت تشعر بالتحجيم اللاحق بها، أو تلك التي أنهت جولة حساباتها على الورقة والقلم لتكتشف أنها خارج المعادلة إما لأن النسبية لا تخدمها كفايةً رغم أنها تنصف الجميع، وإما لأن جمع الدوائر يرميها خارج الحياة ويهدد بإقفال بيتها العريق. ومن هذه الدور التي يتربع أصحابها ذوو المليارات على عرش النيابة منذ سنوات، الى بعض القرى التي يستشعر أهلها غبنَ الإلحاق جورًا بقضاءٍ آخر على شاكلة قرى شرق صيدا التي سُلِخت من صيدا المضمومة الى جزين لتُلحَق بالزهراني، وهو ما زرع نوعًا من الاستفزاز لدى أهلها لا سيما المسيحيين منهم.
مراهنة ساقطة
بثقةٍ قالها الرئيس عون أمس: سأفي بما وعدتُ اللبنانيين به. أراد الرجل العسكري أن يكرّس أمام الجميع أن ما راهن كثيرون على أن يكون “زلة” العهد الكبرى ساقطٌ ولا مكان له في القصر الجمهوري ولا في السنوات الستّ من عهد الرئيس. مسوّغًا سيكون أيّ تأجيل تقني حتى لو طال أمده الى أواخر العام الجاري طالما أن القانون صار “بالجيبة” وطالما أن المجلس سينعقد استثنائيًا لمناقشته بعد السابع من حزيران الجاري الذي حدّده الرئيس عون تاريخًا لانطلاق دورة العقد الاستثنائي المحصورة بالمداولات الانتخابية حتى العشرين منه.
قرير العين
في المحصّلة، يمكن لميشال عون أن ينام قرير العين لا بل أن يبدأ بشغل نفسه بهموم وملفاتٍ أخرى ينتظر اللبنانيون منه أن يكون عرّاب حلولها لقناعةٍ راسخة في نفوسهم بأن استعصاءها لن يفوق استعصاء قانون الانتخاب أو ما ظنه كثيرون استعصاءً لإغفالهم بأن في القصر رجلًا يُدعى: ميشال عون.
المصدر: البلد