حسان الحسن –
في ضوء هذا الحراك الميداني والعسكري في الشرق السوري ، والذي يؤدي الاميركيون فيه الدور الابرز ، يبدو ان استراتيجية الولايات المتحدة الاميركية الحقيقية ، تتعدى مواجهة داعش الى تثبيت نفوذها كقائدة للتحالف الدولي في مواجهة الارهاب ، وفرض مصالحها الخاصة ، وذلك من خلال المناورة التالية :
ينشط الأميركيون على خطين إستراتيجيين في سورية، الأول على الحدود السورية- العراقية في الشمال، في الجهة المقابلة للجزيرة السورية ، حيث النفوذ والحراك والثقل الكردي ، والثاني على الحدود عينها من جهة الجنوب، تحديداً من منطقة التنف، وصولا الى الحدود الأردنية، والغاية من ذلك، هي عدم عودة هذه الحدود على ما كانت عليه في السابق، أي قبل إندلاع الأزمة السورية، خصوصاً بعد أن بدأت تميل موازين القوى على الأرض، لمصلحة “الحشد الشعبي” في الشطر الثاني من الحدود .
ففي حال تمكن “الحشد” من هزيمة “داعش”، في مدينة القائم العراقية، والسيطرة على الحزام الحدودي مع سورية، يعني ذلك أن كل ما سعى إليه الاميركيون من خلال مناورة استعمال التنظيم الإرهابي لمحاولة فصل إيران عن حوض المتوسط يكون قد ذهب هباءً، و بالتالي العودة الى المعادلة السابقة، التي ترفضها واشنطن .
للغاية الأميركية المذكورة آنفا، يعمل الأميركي على تعميق العلاقة مع الأكراد في الشمال السوري، والهدف الظاهر تقوية نفوذهم ، ليس لإنشاء دولة كردية، بل هدفهم الحقيقي هو قطع الطريق على اية علاقة تواصل او ارتباط ميداني- استراتيجي ممكن أن تنشأ مع إيران، ودائما عبر الأراضي العراقية .
وترى مصادر سياسية سورية أن الولايات المتحدة تسعى الى تحويل العراق او القسم الغربي منه على الاقل الى منطقة عازلة ما بين إيران وسورية، أي بين الأولى والبحر الأبيض المتوسط، و هذا الأمر يتقاطع فيه الأميركيون بعض الشيء مع روسيا ، حيث في الواقع لا مصلحة للاخيرة في أن يصل الغاز الإيراني الى سواحل المتوسط، ثم الى أوروبا، بالتالي منافسة الغاز الروسي .
ولكن الإستراتجية الروسية مختلفة عن الاميركية ، ولا ترمي الى قطع الطريق على طهران، بل الوصول الى إتفاق معها في شأن تنظيم تصدير الغاز، كالمحافظة على الأسعار، وتقاسم الأسواق، وما شاكل، وهذا الأمر لن يحصل، إلا من خلال تعاون الروس والإيرانيين في مسألة الحدود العراقية- السورية، وهنا تكمن المشلكة، لأن الأميركيين يعملون على قطع كل المنافد على إيران الى سورية، والسؤال هنا: “هل ينجحون في ذلك”؟
في الواقع الميداني على الارض ، تلفت المصادر الى أن تقدم الجيش السوري نحو منطقة التنف الحدودية ودرعا ودير الزور والبوكمال وسواها، لا يدخل ضمن أي أجندة خارجية، وله بعد سيادي، وهو متعلق ببقاء سلطة الدولة السورية على أرأضيها، ولن يعبء لحجم الخسائر، وبالتالي سوف يعمل على المحاولة الدائمة للوصول الى الحدود مع العراق في تلك المنطقة من غرب الانبار والى الجنوب من مدينة القائم الحدودية .
من هنا ، نلاحظ دائما الاصرار السوري الشرعي على التمسك بالمواقع البعيدة عن العاصمة ، والتي توجد في الاطراف التي تنقص سيادتها عليها بشكل نسبي ، فعلى سبيل المثال لم يسحب قواته من دير الزور رغم الضغوط الهائلة والخسائر الضخمة التي تعرض لها من داعش في الظاهر ولكن برعاية ودعم اميركي في الحقيقة ، وذلك خوفا من أن يعاد ضمها الى العراق، ولو حتى من حيث النفوذ ، و كذلك أبقى الجيش السوري على جزء من قواته في الحسكة، وفي مدينة القامشلي، ولم يتبق إلا محافظتي أدلب والرقة خارج سلطة الدولة بالكامل .
وعن إمكان نشوء “كونتون كردي” في الشمال، تشير المصادر الى أن قرار دخول قوات سورية الديموقراطية بالتعاون مع الاميركيين الى مدينة الرقة لم يتخذ بعد، رغم أن أنها أفرغت من سكانها.
وتكشف أن وحدات حماية الشعب الكردي، وعلى رأسها صالح مسلم، ليس في صدد إقامة دولية كردية، وهو نفس الإتجاه لحزب الشعوب الديموقراطية في تركيا، وكل ما يسعى اليه مسلم، هو أن يكون للأكراد دور في سورية الجديدة. أضف الى ذلك أن الأكراد غير قادرين على السيطرة على المناطق التي يفترض أن تكون مشروع “الدويلة”، وهناك عائق آخر امامهم يحول دون تحقيق ذلك، وهو أن عدداً كبيرا من المقاتلين في صفوف سورية الديموقراطية ليسوا بأكراد، و بالاضافة لكل هذه العوامل، فان الأجندة الأميركية مختلفة عن الكردية، ودائما برأي المصادر .
واخيرا …لا تنف هذه المصادر نفسها تحقيق الحلم الأميركي بالعودة الى سورية، حيث تنتشر قوات أميركية على الأراضي السورية، كذلك تمكنت من عرقلة تمدد النفوذ الإيراني، بطريقة أو بأخرى ، وما يؤكد أن الوجه الحقيقي للأزمة، هو صراع نفوذ دولي على سورية، هو قطع مرور خط الغاز من العراق الى حمص، تحديدا في منطقة “التيفور، حيث دارت أشرس المعارك، ليس فقط من أجل الغاز، لان مدينة حمص كانت مركز أساسي لكل الطاقات، وممكن أن تكون من أهم المدن التجارية والاقتصادية في المنطقة، لذا شهدت أعتى المعارك .
-الموقع الرسمي للتيار الوطني الحر-