سهيل مطر: السياسيون جعلوه “أرض نجاسة”، وهي مصرّة: أرض قداسة.
كلمة الإعلامية زينا خليل المعوشي في حفل توقيع كتابها “لبنان ارض قداسة” – محافظة الشمال في جامعة سيدة اللويزة، في زوق مصبح:
أيّها الأحبّـاءُ،
نَعم ، إنّها أرضُ قَداسةٍ، نَعم إنّها أرضُ الله.
ليس بشهادتي فقط، أو بشهادة المؤرّخين، بل بشهادَةِ أُناسٍ كثيرين ،
عاشوا في هذا الوطن، واحتضنوا تُرابَ أرضِهِ، وكرّسوا حياتَهم كُلَّها، بالعفّةِ والطّاعةِ والفقر، ليْترِكوا بِـصَمْتِهم بَصْمَتَهم على حجارةِ كنائسَ ومَحابسَ وأديار، ولكي تَعْرِفَ الأجيالُ، كلُّ الأجيالِ ، أنّ اللهَ كان هنا،
وباقٍ هنا أبدًا…
ولِـمَ لا؟
لِـمَ لا أكملُ الدّربَ التي عبَّـدَها وعبَـدَها هؤلاء.
لِـمَ لا أزْرَعُها صُـوَرًا، كلماتٍ وشروحاتٍ،
فأحْصُدها لاحقًا في كتاب ؟
وهنا كانت البداية !
أودية وعِرة نزِلْتُها، وجبالًا صعبَة تسلّقْتُها، تارّةً بجوٍّ ربيعيٍّ وصيفيٍّ، وَطَوْرًا بطقسٍ باردٍ قارسٍ. ولكنْ كلّ هذا كان بفرح .
تسعُةُ أعوامٍ مرَّتْ، وأنأ أُستنطِقُ حجارةً، وأحاولُ أن أبعثَ الحياةَ في ديرٍ أو صومعةٍ ، غَيَّبَتْ وغَيّرَتْ من ملامِحِهما نسائِمُ زمنٍ مضى، وصراعاتُ أديانٍ وطوائفَ، فلم يبقَ منهما سوى بعضٍ من أحاديثِ أهل القرى وذِكرياتِهم.
أيّها الأحبّـاءُ،
أسئلةً كثيرةً طرَحْتُها، وكُلُّ ساكنِ ديرٍ أو صومعةٍ قصدْتُهُ…
مراجِعَ ومخطوطاتٍ وكُتُبًا قرأْتُ، حتّى أصبَحَتْ غُرفتي هي مَكتبتي.
نَعم… إنَّه لعملٌ شاقٌّ، فقد كنْتُ كالرّحّالةِ أتنقّلُ من ضيعةٍ إلى أخرى، ومن محافظةٍ إلى محافظةٍ ، بيدٍ آلةُ التصّويرِ خاصَّتي ، وباليدِ الأخرى قلمي، أدوّنُ معلوماتٍ وتواريخَ أديارٍ ومحابسَ ، بعضٌ منها ما زال موجودًا ، والبعضُ الآخرُ ، لم يبقَ مِنه سوى حجارةٍ وأتربةٍ، تُخْبِرُنا أنّه كان هُنا مقامًا سَكَنَه وصلّى فيه نُسّاكٌ ورُهبانٌ.
“أرضُ القداسةِ” هو كتابٌ يتحدّثُ، بحروفِهِ وصُورِهِ، عن شعبٍ أبى إلّا أن يتركَ خلفَهُ، بصماتٍ مسيحيّةً مقدّسةً في هذا الشّرق، وفي لبنانَ تحديدًا.
فجاء بجزئِه الأوّلِ، “محافظةِ الشَّمال“، باكورةَ موسوعة هذا الكتابِ.
إنّهُ ثمرة الحُبِّ الذي جمعني بأنيس، رفيقِ الدربِ. وهو أيضًا الكتابُ الذي سيغارُ غدًا، من مولودٍ أحْتضِنُ منذُ تِسعةِ أشهرٍ، ومعَهُ سأُحِبُّ الحياةَ أكثر.
وهنا أستسمِحَكُمْ أنْ أشكُرَ، بدايةً، أصحابَ البركاتِ الخمسِ التي زيّنَتْ أولى صفحاتِ كتابي:
البركةِ الرّسولية من قداسة الحَبْرِ الأعظم البابا فرنْسِيس
بركةِ غبطةِ أبينا البطريرك مار بشاره بطرس الراعي الكلّيّ الطوبى، والذي أيضًا بمحبّته الكبيرة أحاطني برعاية هذا الحفل.
بركةِ غبطةِ أبينا البطريرك مارغريغوريوس الثالث مشكورًا.
بركةِ غبطةِ أبينا مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريركِ السّريانِ الكاثوليكِ الأنطاكي.
أمّا البركةُ الخامسَةُ فللأبِ رويس الأورشَلِيميّ، رئيسِ الطائفةِ القبطيّةِ في لبنان.
ولا يفخَرُ هذا الحفلُ بَحُلَّتِهِ الجميلةِ إلّا ومزَيَّنًا بباقاتٍ من أجملِ الكلمات:
فتحيّةً منّي للأستاذِ سهيل مطر، الذي خصّني وخصَّ الكتاب بكلمةٍ مميّزةٍ، وأحاطني بمحبَّتِهِ، فشدّد من عزيمتي على إكمالِ هذه المسيرة.
كما أشكرُ الأبَ ميشال عبّود الكرمليّ، الذي كانَ وما زالَ، بالنسبة لي وللكثيرين، سراجَ تواضعٍ، ورسولَ كلمةِ حقٍّ.
ويا معالي الأستاذ إدمون رزق، أيَّ كلمةِ شكرٍ أُهديكَ؟ كنْتَ وسَتَبقى منبعَ معرفةٍ، وثقافةٍ، وعزّةِ نفسٍ، لهذا الوطن.
أمّا تحيّتي القلبيّةُ فإلى سيادةِ المطرانِ بولس روحانا السامي الاحترام، فأنتم يا سيّدي، بكلمَتِكُمْ وتمثيِلِكُمْ لغبطةِ أبينا البطريرك الرّاعي، أضَفتم ببركتِكُمْ الأبويّةِ وزَنةً أخرى إلى كتابي.
كما أخصُّ بالشّكر، مطابعَ معوشي وزكريّا المحترمين، إدارةً وفريقَ عملٍ، على إخراجِ كتابي وطِبَاعَتِهِ ، فإذا به يْصدُرُ تحفةً فنيّةً جميلةً.
وتحيّةَ محبّةٍ وشكرٍ للإعلاميِّ الصديق ماجد بوهدير، لمساعدتِهِ القيِّمةِ وذوقِهِ الرفيعِ، في إنجاحِ هذا اللقاء.
وأخيرًا، خالصُ الشكرِ الكبيرِ لجامعةِ سيّدةِ اللّويزةِ، بشخص رئيسِها الأبِ الدكتور وليد موسى، ومُساعِديه الآباءِ الأجلّاءِ، لِما أحاطوني به من حفاوةِ استقبال، ولكلِّ مَن ساعدني مِن أسرةِ الجامعةِ، التي أنتمي إليها. كافأكُمُ اللهُ بالصحّةِ والتقدّمِ والنجاحِ.
أيّها الأحبّاءُ، معًا نحافظُ على هُوِّيَّةِ لبنــانَ المسيحيّةِ.
ومعًا يبقى هذا الوطنُ منارةَ قداسةٍ للشّرقِ…
فإلى اللقاء في الجزءِ المقبلِ.
عشتُمْ وعاشَ لبنـانُ أرضَ قداسةٍ.
***
كلمة سهيل مطر في حفل توقيع كتاب “أرض القداسة – محافظة الشمال” للإعلامية زينة خليل معوشي:
أيها الأصدقاء
تراها ماذا كانت تقصد، عندما أطلقت زينة على كتابها، اسم “أرض القداسة”؟
تراها، أي زينة، كانت تريد أن توجّه رسالة أو صفعة الى بعض أهل السياسة والحكم والنفوذ والى الفرّيسيين ولصوص الهيكل؟ هم جعلوه “أرض نجاسة”، هي مصرّة: أرض قداسة.
تراها كانت صدفة، أو رمية من غير رام، عندما أطلقت العنوان “أرض القداسة”، على أرض لبنان، في وقت كان فيه الكثير من أهل السياسة لا يرون إلاّ أنفسهم، ولا يسمعون إلاّ أصوات شهواتهم، ولا يبالون بذخائر القدّيسين، بقدر ما يهتمون بذخائرهم المصرفيّة.
شكراً، زينة، أرجو أن تكون هذه الصفعة أمثولة لنا، كي نعي أنّ لبنان أرض قداسة لا أرض فجور ونفاق وفساد، نستأجرها حيناً أو نؤجّرها، نعيرها أو نبيعها، ونستخدمها فندقاً لا وطناً.
نعم، يا سيّدتي، معك، نستطيع أن نردّد مع يسوع، في حالة غضب، وكلّنا غاضبون: بيتي أو أرضي، بيتي بيت صلاة يدعى، فكيف جعلتموه مغارة للصوص؟ لا، لن يبقى، ولن يكون، واليوم، يوم ريتا، شفيعة الأمور المستحيلة، وسيكون لبنان بيت صلاة وقداسة وحريّة.
ثمّ، أسألك، أيتها الصبيّة، من أين أتتك هذه الهواية،أو هذه الإرادة على البحث والاستكشاف؟
صبيّة مثلك، سبحان الخالق والمخلوق الذي سيولد، تجهل، تراهق، تملأ وقتها باللهو، بالبحث عن مال وجاه وجمال مصنوع. أما أنت، فتلبسين هذه البراءة في النفس والجسد، وتقصدين الجبال والوديان، المغاور، الكهوف، البيوت المهدّمة، تحملين وحيدة، آلة تصوير (كاميرا) وعروس لبنة وقنينة ماء، وتسافرين، مطمئنة، مع “أبانا وسلام”. هنيئاً لكِ، أنا أغار منك، وأعترف بضعفي، لا سيّما بعدما قرأت الكتاب، فإذا به خزّان معلومات وأفكار وأخبار؛ نعم، أعترف: فأنتِ، عندما تتحدثين عن تنّورين، ضيعتي التي أحبّ، تذكرين ثلاثة أديرة: دير مار بطرس، دير مار جرجس، دير مار ميخائيل… أعذروني، لأوّل مرّة، أتعرّف الى هذه الأديار، وأنا ابن تنّورين وشراييني متصلة بأوديتها والتلال، ومع ذلك لا أعرف هذه الأديار، وتطلبين أن لا أغار.
شكراً، يا زينة، على هذا الكتاب – المرجع، وصلاتي أن تتابعي الطريق: نحن، كأفراد، ونحن، كجامعة، وباسم الأب الرئيس وليد موسى، ننتظر منك الأكثر، وكتباً جديدة عن محافظات جديدة. الله، يا سيّدتي، ليس بحاجة الى من يدافع عنه، بل هو بحاجة الى من يضيء الطريق إليه، وأنتِ تفعلين وتضيئين.
شكراً لك، وتحيّة لصاحب الرعاية بطريركنا الراعي، الذي شملك بالمحبّة والتقدير، واعتبر “كتابك طريقاً لعودة اللبنانيين الى هويتهم التاريخية المنفتحة على سائر الديانات، ولا سيّما على الإسلام.” ولا أغالي إن قلت أنه روحن حضورنا بمن يمثّله في هذا اللقاء سيادة المطران بولس روحانا.
تبقى كلمة أخيرة، أقولها، ببعض الخفر:
يوم عرسِك، يا زينة، مع أنيس الصديق الطيّب، كنتُ خارج الوطن، فاسمحي لي، مع مفعول رجعي، أن أقول، مصلياً:
يا ربّ، كانت زينة عائدة من رحلة في هذه الجبال، سبحة في يدها، ومجموعة صُوَر.
التقاها قرصان الحبّ، أنيس الليالي المقمرة،
خطفها، فاستجابت ولم تُعانِد، والتقى القلبان. سألتُها، ماذا جرى؟ قالت:
نسيتُ من يدِه أن أستردّ يدي طالَ السلام وطالت رقصةُ الهُدبِ.
ربّ، بارك: من جمعه الحبّ، على أرض لبنان، لا يمكن أن يفرّقه انسان.
فقبلة لكِ من القلب، وأنت الزينة التي نتزيّن بها. وشكراً لك.