“أنا لست سكرتيرة لدى المستشارة الألمانية”، إحدى العبارات التي أطلقتها المرشَّحة الفرنسية مارين لوبان خلال حملتها الإنتخابية في السباق الرئاسي، وشاءتها رسالة الى ألمانيا، أن فرنسا أكبر من أن تكون تابعة سياسياً واقتصادياً لها، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أم ضمن الإتحاد الأوروبي، وأرادت من خلالها أيضاً أن تتمايز عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في نظرتها الى طالبي اللجوء.
وفور صدور النتائج التي أفضت الى فوز مرشَّح الوسط إيمانويل ماكرون مع مارين لوبان بالدورة الأولى، وتأهلهما الى الدورة الثانية المقررة في 17 أيار / مايو القادم، سارعت المستشارة أنجيلا ميركل ومعها زعماء أوروبا الى تأييد وصول ماكرون، في محاولةٍ لإلحاق الهزيمة بـ لوبان، وتسديد الضربة الثانية لليمين الأوروبي المتطرِّف، بعد هزيمة زعيم حزب الحرية “غيرت فيلدرز” بالإنتخابات البرلمانية في هولندا الشهر الماضي، أمام حزب رئيس الوزراء الحالي “مارك روتي”، الذي رفض فور صدور النتائج تشكيل حكومة إئتلافية مع رجل متهوِّر مثل “فيلدرز”، إضافة الى قطع الطريق على فوز المتطرِّفة الألمانية “فراوكي بيتري” التي تُعتبر “لوبان ألمانيا” في الإنتخابات المقررة الصيف المقبل، خاصة بعد أن نِزِل أنصارها الى الشوارع الألمانية إحتفالاً بانتقال لوبان الى الدورة الثانية.
ونقلت إذاعة بي بي سي، أن “فوز لوبان قد يكون الأكثر ضرراً بالأسواق الأوروبية، لأن للشعبويين خطط ونظرة للهجرة وضوابط صارمة لاستعادة السيادة النقدية والتشريعية والإقليمية والمالية من الإتحاد الأوروبي والانسحاب من منطقة اليورو، وتقييد حرية تنقُّل الأشخاص، والتخلِّي عن الديون والعجز في حدود الاتحاد. ويشير بعض المراقبين إلى أنه في حال فوز لوبان، فمن الصعب عليها تحقيق هذه الأهداف دون أغلبية برلمانية، وبالتالي لديها القليل من الفرص لفعل ذلك، لكن في أحسن الأحوال، فإن الرئيس الفرنسي المعادي لليورو والإتحاد الأوروبي قد يُغرق الإتحاد وعمليات صناعة القرار في فوضى، وفي أسوأ الأحوال، قد يضع بداية لنهاية الاتحاد الأوروبي”.
هذا الإستنفار الأوروبي لمواجهة لوبان، عكسته التغطية الإعلامية الأوروبية غير المسبوقة في قلب باريس، من كبريات وسائل الإعلام الأوروبية، التي لم تلتزم بالصمت الإنتخابي حتى من أمام صناديق الإقتراع، كونها قادمة من خارج حدود الدولة المعنيَّة، وبدت واضحة حملات تجييشها لصالح غالبية المرشَّحين باستثناء لوبان، وبعد صدور النتائج وتقدُّم ماكرون على لوبان، اعتبرت هذه الوسائل أنها أدَّت رسالتها وسوف تستكملها لمنع وصول لوبان الى قصر الإليزيه.
أحد الناخبين الفرنسيين قال بعد الإدلاء بصوته: “وصول مارين لوبان الى الإليزيه سوف يدمِّر فرنسا التي تعاني من بطالة غير مسبوقة، و لوبان ليست هي الحلّ لأزماتنا المعيشية، ما دامت تُطالب بإقفال حدود فرنسا مع أوروبا لتزيد الأسواق الفرنسية اختناقاً، وتنوي إجراء استفتاء للإنسحاب من الإتحاد الأوروبي، ونحن لا نستطيع العيش دون الإنفتاح الكامل على أوروبا، إضافة الى أن تطرُّف لوبان بحق المسلمين الفرنسيين سوف يُشعل الشارع الفرنسي بالإضطرابات.”
يبقى العامل الأهمّ الذي أوصل مارين لوبان الى الدورة الثانية لكنه قد لا يُوصلها الى الإليزيه، هو استغلالها الدائم لشبح الإرهاب، وشَدّ عصب الفرنسيين لمواجهته بعد كل عملية إرهابية، بحيث أنها استفادت على مدى ثلاثة أيام سبقت الإنتخابات، من إشاعة، أن من أقدم على عملية قتل الشرطي الفرنسي في باريس ينتمي الى داعش وإسمه “أبو يوسف البلجيكي”، ليتبيَّن صبيحة يوم الإنتخاب وعلى لسان الناطق بإسم الحكومة البلجيكية، أن هذا الشخص موجود في بلجيكا ولا علاقة له بالحادث، وتبيَّن فعلاً أن الفاعل هو شخص فرنسي لديه سوابق في مقاومة الشرطة ويُعاني من اضطرابات نفسية، لكن انكشاف الحقيقة في يوم الإنتخابات بالذات لم يؤثِّر على الناخب الذي انساق خلف إدعاءات مارين لوبان وهو في الطريق الى قلم الإقتراع.
وتحت مسمى “تجمُّع الجمهوريين”، سارعت الأحزاب الفرنسية من يمين الوسط وأقصى اليسار والإشتراكيين، الى إعلان مواقف موحَّدة فور صدور النتائج، لتأييد ماكرون بمواجهة لوبان، بهدف إنقاذ الجمهورية من مخاطر وصولها، وماكرون المستقلّ وغير المنتمي الى حزبٍ يدعمه، بحاجة الى تأييد كافة الأحزاب للوصول الى الإليزيه.
المصدر: الثبات
لقراءة الخبر من المصدر (إضغط هنا)