أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


عن كلام الراعي عن حزب الله وتوقيته وتوظيفه…

كلامه ينسجم مع مرحلة جديدة ترسم للمنطقة، أو محصور بقراءة لها محدوديتها (جورج عبيد)
ثمّة علاقة جدليّة دائمة تتكثّف لغتها ما بين القراءة التحليليّة والموقف المبدئيّ ما بين البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي وحزب الله تحتاج بين الفينة والفينة للمزيد من الإضاءة على أبعادها بمعاييرها المتعدّدة والمتنوعة.
سبب الجدليّة ليس مستقلاًّ عن الأجواء المتورمة في منطقة شهدت وتشهد ضخًّا شديدًّا من التصعيد المذهبيّ المبرمج على خلفيات متوثّبة تغتذي من جوهر الأحداث في سوريا بالدرجة الأولى، تجنّدت وتتجنّد لها معظم القوى محتشدة على مطلّ جديد من حالة تنظيميّة وتكوينيّة بدأت تعدّ لسوريا والمنطقة، ويرصدها معظم الباحثين باستقراء شديد واستباط وطيد لعناوينها مستشرفين بمنهج الاستنباط الصورة في سوريا والعراق والمنطقة مع بدء اكتمال عناصرها.

jesus-coptyما جئت الاّ لأشهد للحق.. المسايرات السياسية أصل البلى



البطريرك المارونيّ الذي زار دمشق واللاذقيّة وطرطوس في سوريا، على الرغم من كل الانتقادات التي وجهت له غير مرّة، فهم في درسه لواقع الأرض وسيرورة المعارك، بأنّ مساهمة حزب الله في المعارك السوريّة، وبعيدًا عن أي تنسيق مع الحكومة اللبنانيّة ـ أدّت إلى ترسيم شبكة أمان على الحدود بين لبنان وسوريا، حاولت قدر الإمكان التخفيف من تكثيف التواجد التكفيريّ في لبنان، وتجفيف الينابيع الرافدة والمغذيّة له، وهذا عينًا ما أسماه رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون في خطاب القسم بمفهوم «الحرب الاستباقيّة» في خطاب القسم. 
استند البطريرك الراعي في «إضاءته النقديّة» على ما أسمي آنذاك «بورقة إعلان بعبدا»، فأتت استنادته عقيديّة، في لحظة لم تحز تلك الورقة إجماعًا لبنانيًّا، وقد احتاجت في اللحظة عينها إلى الكثير من القراءة والتصويب لفهم ظرفها الملتبس جدًّا. وقد أشارت بعض الأوساط في معرض التعقيب على حديث البطريرك، إلى أن تلك الورقة عينًا بدلاً من أن تمنع تدفّق اللاجئين السوريين إلى لبنان بما يمثلون من بيئات جزؤها الكبير مخيف وخطر، قامت بتطغية تدفّقهم، بل ظهرت وكأنها ولدت لهذه الغاية، فيما تحييد لبنان وهذا هو معنى الورقة يفترض بالدرجة التشديد على منع وجوب استعمال الأراضي اللبنانيّة لهذا التدفّق بكلّ أنواع تأثيراته السلبيّة، حتى لا يقاد لبنان إلى مزيد من حروب تشبه إلى حدّ بعيد الحرب بين اللبنانيين والفلسطينيين لتتشعب وتتحوّل إلى حروب طائفيّة وبنيويّة تخدم مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى وكما قال البطريرك الراعي في حديثه وهو محقّ بهذا التوصيف.
الفجوة في حديث البطريرك، تمثّلت بالإضاءة المتوحّدة والوحيدة على دور الحزب في المعارك السوريّة من دون معرفة الحكومة اللبنانيّة، ولم يضئ بدوره على مساهمات أفرقاء آخرين في تزكية الحرب في سوريا وعلى سوريا، والتي وبحسب الأوساط عينها تلطوا خلف ورقة إعلان بعبدا وتغطوا بها ليسعّروا الحرب في سوريا من زاوية مذهبيّة، وتساءلت تلك الأوساط عن سبب تمسّك الثنائيّ ميشال سليمان وفؤاد السنيورة بها وببنودها، ألم يهدف هذا التمسّك إلى تغطية التسعير بعمقه وعنفه المذهبيّ المتوحشّ وإن جاء بصورة غير مباشرة؟

agoraleaks-rasdhezbolahnosra
حزب الله يدافع عن لبنان بوجه الإرهاب تماماً كروسيا وأميركا… لا بل افضل منهما معاً

هذه الفجوة وبحسب توصيف مصدر مسيحيّ نتجت من عوامل تشابكت ببعضها، فأنتجت تلك القراءة، وفي المعطيات السائدة، ليس من أسباب موجبة واضحة تمتلك خصوصيّة متدحرجة في علاقة البطريرك بحزب الله، وقد نعته بالميلشيا، في حين أنّه جزء من السلطة فكيف يتم الدمج بين حضوره في السلطة وقفزه فوقها سواء في قرار المشاركة في الحرب في سوريا أو سواء في استبقائه السلاح بين يديه؟ ويميل هذا المصدر إلى انّ البطريرك الراعي لم يبد حتّى الآن مواقف متماسكة ضمن مبدأ واحد، ويرى كاستنتاج وبناء على بعض المعطيات، بأنّ البطريرك لا يصيب بموقفه هذا حزب الله بقدر ما يطال المفاهيم الأساسيّة التي رسخّها رئيس الجمهوريّة العماد عون منذ خطاب القسم بالتأكيد على المقاومة بوجه إسرائيل ومفهوم الحرب الاستباقية في سوريا، وصولاً إلى كلامه الأخير على سلاح حزب الله الرادع لإسرائيل، والصراع العربيّ-العربيّ الذي أضاع حقّ الفلسطينيين بالوجود.

***
واستغربت أوساط بعبدا كلام البطريرك من ناحية التوقيت المحشوّ به ومن ناحية التوظيف المكتنف بمعانيه. وبحسب تلك الأوسلط فإنّ البطريرك وقد بدا مع وصول العماد عون إلى الرئاسة مرحّبًا، عاد بهذا الموقف إلى مرحلة ما قبل الرئاسة حين ظهر معارضًا. أوساط أخرى تنطلق من هذا المحتوى عينًا لترى بكلامه استهدافًا مباشرًا للرئيس سواءً بالتوقيت أو بالاندراج في عملية تجميع لقوى تلملمها قوى متداخلة في الداخل اللبنانيّ لتعيد البلد من جديد إلى سياسة المحاور.

***
وتستغلّ تلك القوى مواقف الرئيس عون بحسب تلك الأوساط الأخرى، في سبيل محاولة تأليب الرأي العام بجزئيه المسيحيّ والإسلاميّ عليه، فحين صدرت تلك المواقف عن الرئيس عون صدرت في المقابل مواقف مناوئة تمثّلت بالحدّة المفرطة ووجهها المتطرف كاللواء أشرف ريفي وسواه، وقد هاجم أصحابها رئيس الجمهوريّة في موقفه هذا. وبعيد حديث البطريرك الراعي إلى تلفزيون السكاي نيوز «Sky News» هلّلت الشخصيات عينها مرحبّة بمواقف البطريرك ليبدو البطريرك في المحصّلة متباعدًا بموقفه عن الرئيس عون.
***
ويرى هذا المصدر السياسيّ بأنّ الراعي في موقفه هذا يحاول أن يراعي الرؤية الأميركيّة الجديدة تجاه الحزب، ويرى هذا المصدر بأنّ ثمة اتصالات جرت بين عدد من شخصيّات أميركيّة متحدرة من أصل لبنانيّ، «وضعت» البطريرك في صورة المرحلة الجديدة، وكأنّها المرحلة الدامغة بآحاديتها فيما المنطقة برمتها تطلّ على تسوية واضحة تبطل الآحاديّة بإطلاقيّتها بثنائيّة شريكة في الحلّ والتسوية، وقد يرى الأميركيون أنفسهم مضطرين إلى التسليم بها.
وعلى الرغم من أنّ حزب الله التزم الصمت الحزين لأنه يحترم موقع بكركي في الدائرة المسيحيّة وموقع البطريرك على وجه التحديد، وقد طلبت القيادة من الحزبيين بعدم الرد والدخول في سجالات سياسيّة مع موقع يجلّونه بانتظار ما سيصدر من تبريرات، فإنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ قد التهبت بردود الفعل الصاخبة لا سيّما تلك الطالعة من عدد من كوادر التيار الوطنيّ الحرّ منتقدة موقف البطريرك ذهب بعضها إلى حدّ الاستهجان. والاستهجان عند هؤلاء ليس حديثًا بل انفجر تحديدًا منذ أن سعى البطريرك إلى إقالة المطران الياس نصّار من رعايته لأبرشيّة صيدا لتكتمل الصورة مع الموقف الأخير له.
موقف البطريرك الراعي واضح في التوقيت والمعاني والأهداف، ويبقى للزمن القريب والعاجل، أن يظهر إذا ما كان كلامه مستدخَلاً بالتوقيت في مرحلة جديدة ترسم للمنطقة، أو أنّه محصور بقراءة خاصّة لها محدوديتها فتتجمّد عندها بلا تواصل مع ما يخطط للمنطقة؟! وحده الزمن بالتطورات كفيل بإظهار الأجوبة الشافية. 

المصدر: الديار