ناداه يوما الله بصوتِ واحد من صبيان الشوارع: “منصور ليش ما بتبقى معنا وبتهتم فينا ؟
جاءته أمُّه بعجينة جمعت حبّات قمحها حبّة حبّة تحت قنطرة البيت العتيقة… مع كلّ صلاة، حبّة تزرعها الام، مع كل دمعة فقير، حبّة تخبئها الام ، وموسما بعد موسم صار القمحُ سهلا في البيت، والخير باركه الابن “الأب منصور” في قداسه الاول، ورفعه قربانا بيده من نذور أمّه الى شفاه المتناولين وقلوبِهم… والى أذان الملتهمين تراتيله كما التراث، كما أغنيات الخير و أناشيد الارض للسماء، ودعاء الحبيب للحبيبة ورجاء العروسين بطفل صغير.
“انشالله القمحة لِّ نزرعت بقلوبنا تموت وتنما”…
… تلك القمحة الذهبية ماتت لتزهر له على مدار السنين محبة يتسلح بها في وجه الحرب في وجه الرصاص في وجه الشرّ …
… وكتب الله لك يا ابي يا منصور رسالته الصعبة. لم يُدلّلك الله ولم يرحمك لقاء اللاشيء. خصّك بوجعه بتعبه ، بغضبه مرّات وببناء الهيكل بعدما عاث فيه التجار خرابا. حمّلك من البحر سمكة، ومن الخبز أرغفة، ومن السفن شراعا، ومن الزيت قنديلا، ومن المخلع سريرا، ومن النازفة جرحًا، ومن الأولاد إبنًا شاطرً، وآخرَ خائنا يدعى ” يهوذا” وها أنت تشرب الكأس فوق جبل آلامك كلّ عشيّة منذ أربع سنين…..
وردًا؟ وأنت من تفتّحت عطاءاتُك جنائنَ في حدائق الكنيسة!
صلاة؟ وأنتَ من رفعتَ الصلواتِ نياتٍ في قداديسك عن الوطن وأبنائه من الدامور الى أوروبا !
دعني أقرّب لك هذه الرّسالة على ملء من يقرأون ، عساهم يدرون ماذا يفعلون… على ملء آباء الكنيسة وأحبارها عساهم يعرفون اليوم مَن يخسرون، معلّمًا ، لا يزالون، تراثه في قداديسهم يردّدون…
…والآن أعرف يا أبي أنك تعذر أنانيّة محبّتي لك. لذا ، أدعوك عندما تفرغ من قراءة ما كتبه حبري الممزوج بندى محبّتِك أن ترسم بيدِك المُمَيرنة أبدًا بأسقفيّة شعبيّة إشارة الصليب على الصفحة وكأنها جبيني أمامك، وأن تدعوني كي أبقى “شريد محبّتك” ، حتى ولو بعُدتَ في زهدك عن الدنيا ، فأنتَ مغارة لقلوبنا ، وذكرى ميلادِك هي ” بيت لحمَ” بيوتِنا.
ولدُك بسّام …