أمين حطيط: الانتصار في سورية بات مسألة وقت..
الشرق مشتعل ولا شيء يوحي بالهدوء.. إنها إرادة الشيطان التي تتلذذ بإراقة الدماء رغم انعقاد المؤتمرات المخادعة لإحلال السلام.. أزمة سورية مؤجَّلة إلى ما بعد الاستحقاق الرئاسي الأميركي وما بعد التفاهمات الكبرى.. العراق يواجه التقسيم النفسي بالحفاظ على الوحدة الجغرافية تفادياً لما هو أسوأ.. اليمن ومعها البحرين يعيشان “كربلاء” عصرنا وينبئاننا بانتصار الدم على السيف ولو بعد حين.. وبخصوص الخليج العربي وتحديداً السعودية فالأمور متجهة لتذوق المُر.. لما يُحاك لها من تآمر.
أما لبنان الذي يئنّ وينزف من نفايات بعض سياسييه، فعالم الدبلوماسية شرقاً وغرباً لا يعيره انتباهه على الإطلاق، ما يعتبره الوطنيون بارقة أمل انطلاقاً من مقولة “الحجر الذي رذله البناؤون – والذي هو لبنان – سيصبح حجر زاوية الشرق والغرب“..
جريدة “الثبات” التقت العميد الركن د. أمين حطيط مستطلعة منه أحوال المنطقة، وإليكم أبرز ما جاء في الحوار:
يعتبر العميد حطيط أن صمود سورية في مواجهة العدوان جعلها تتجاوز مراحل ثلات خطيرة، الأولى بإسقاط خطة نقل سورية من محور مُعادٍ لأميركا إلى محور مؤيّد لها، بغية الإطاحة بمحور المقاومة، وعزل منطقة الشام عن العراق وإيران شرقاً ولبنان وحزب الله غرباً، أما المرحلة الثانية فتتجلى بصمود سورية في وجه تقسيمها إلى دويلات، من خلال إنشاء منطقة عازلة ما بين غرب محور المقاومة (لبنان وساحل سورية) وما بين العراق وإيران بإقامة دولة تمتد من دير الزور إلى عفرين، لتشكيل دولة محاذية مع العراق وتركيا، وتشكيل منطقة عازلة وفاصلة بين دول محور المقاومة.
صمود سورية في المعركتين السابقتين أوقف تمدُّد نفوذ الغرب برأي حطيط، والدليل على ذلك مدينة حلب، التي باتت على قاب قوسين أو أدنى من تحريرها.. يضيف حطيط عن المرحلة الثالثة التي تواجهها سورية عن العدوان، ويقول: اليوم تسعى أميركا لاستمهال الأحداث لمرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية، لوضع خطط جديدة، ولهذا السبب يسعى خط محور المقاومة للاستفادة من الأشهر الثلاث الآتية، مع وجود عرقلة أميركية واضحة لتجميد الحراك الميداني.
يرى حطيط أن الوضع السوري الآن تتجاذبه فكرتان، الأولى متّجهة نحو تسريع التحرير بقيادة معسكر الدفاع، وفكرة تجميد الميدان بقيادة أميركية، ولأن واشنطن لا تمتلك قدرة النزول إلى
الميدان وخوض حرب مباشرة، تلجأ اليوم إلى سياسة النحيب والعويل بشكل متعالٍ وعنيف، علّهم يوقفون سياسة تحرير سورية من الخلايا الإرهابية.
نسأل حطيط عن التواصل الروسي – الأميركي فيما يخصّ السلام في سورية، يردّ: كل ما تسمعه من حلول سياسية بين روسيا وأميركا إلى حين مجيء شباط 2017 هو مضيعة للوقت والجهد، أميركا اليوم دخلت مرحلة الخمول السياسي الذي يسبق فترة الانتخابات الرئاسية، وبالتالي الرئيس باراك أوباما لا يستطيع أن يحلّ شيئاً، ولا أن يفرض شيئاً.
حلب
عن الشمال السوري، يعتبر د. حطيط أن حراك تركيا اليوم هدفه حجز حصة لأنقرة أثناء اقتراب الحلول الدولية، يقول: أردوغان يعلم أن هامش الحصول على مكتسبات لبلاده من خلال البوابة الأميركية أُقفل، ولهذا السبب أقحم قواته العسكرية داخل الأرض السورية، لقبض ما يمكن قبضه في السياسة إلى حين طلب إخلاء تلك الأراضي فيما بعد، لعله يتمكّن من زرع بعض جماعات “الإخوان” داخل النظام السوري الذي يتشكّل ويتبدّل ويتطور.
تركيا
المشهد التركي بحسب حطيط أمام مفترق خطر استراتيجياً، لأنه على الرئيس التركي أردوغان خياران لا ثالث لهما؛ إما النجاة بتركيا باتخاذ موقف استراتيجي، أو السير بسياسة الانتحار، يقول: أردوغان ملك المشاريع الفاشلة، يضحّي بالآخرين ويحافظ على موقعه، وغروره هذا لا يجعله يرى الأمور على حقيقتها، وهو اليوم لا يستطيع السير وفق شروط الغرب، لأنه يعلم أنه سيستخدمه كليمونة حامضة، فبعد عصره سيُرمى في سلة المهملات، كما أنه لا يستطيع أن ينتقل بسهولة إلى المحور الشرقي.. وهذا ما يعزز فشل محاولاته بناء قيادة تركية مستقلة في المنطقة، فتركيا مع أردوغان تعاني من إرباك شديد مع الأطلسي، كما مع روسيا وإيران.. وسلوك رئيسها المغرور يمتاز بالخوف والقلق والحذر، لأنه يعلم يقيناً خسارة مشروعه الرئيسي كما الاحتياط في تزعُّم المنطقة، وجل اهتمامه اليوم الحصول على جائزة ترضية في سورية والعراق، تمكّنه من الحفاظ على دوره.
العراق
بخصوص العراق، يشير العميد حطيط إلى توقّعه حصول معركة الموصل منذ شهرين على الأقل، يقول: العراق حتى الآن يصارع بين تيارين، الأول وحدوي بقيادة الحكومة والجمهور الشيعي الواسع وجمهور سُنّي عريض، والثاني تقسيمي تفتيتي تقوده أميركا وإلى جانبها جزء
من السُّنة والأكراد.. وكل تقدُّم برأيي للحكومة في مَسك الأرض هو تقدُّم لمشروع الوحدة على مشروع التقسيم، وأي تراجع لمشروع الوحدة هو تقدم لمشروع التجزئة في بلاد الرافدين، فتحرير الموصل من قبَل العراقيين من شأنه إعطاء أفضلية لمشروع توحيد العراق على مشاريع التجزئة.
السعودية
نسأل المحلل الاستراتيجي د. حطيط عن مصير السعودية مع التحوّلات الدولية، سيما أن أميركا تحمّلها مسؤولية الإرهاب الدولي في العالم من جهة، وتحميها وتدعمها في كثير من القضايا الإقليمية من جهة أخرى.. يجيب العميد: السعودية إحدى الأدوات الثلاث الأميركية في المنطقة، إضافة إلى “إسرائيل” وتركيا، والغرب أقحم مباشرة مملكة آل سعود وتركيا في العدوان الأخير على شعوب المنطقة منذ انطلاقة “الخريف العربي” منذ ست سنوات، تاركاً تل أبيب في وضعية الاحتياط الاستراتيجي الأخير له، لأنه لا يحتمل سقوط “إسرائيل” في المنطقة، وكما أسلفنا سابقاً، تركيا في وظيفتها الموكلة إليها من الغرب والأطلسي فشلت فشل ذريعاً، لهذا السبب تسعى اليوم لاقتناص بعض فتات المكتسبات في سورية والعراق. أما بخصوص رؤية الغرب للسعودية، فهو يلحظ انهياراً لها في المال والميدان كما الأخلاق، والغرب لا يستطيع تحمُّل هذه الإنهيارات الكبيره لها في العسكر والقانون الدولي والإقتصاد في الوقت عينه، واستراتيجياً معروفٌ أنه مع فشل إحدى أدوات الصراع، نكون أمام احتمالات ثلاث، أولها إما رمي الأداة المستخدَمة في حال بروز أداة بديلة، والثانية تكون بترميم الأداة بغية استخدامها مرة جديدة، والثالثة تكون بمعاقبتها، بعد التنصُّل من سياساتها، واليوم لن تظهر أيٌّ من الاحتمالات ستتجه بها الولايات المتحدة بخصوص السعودية إلى حين الانتهاء من مرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبالتالي ستبقى السعودية دون انهيار كلي إلى حين توفّر البديل عنها، وفي حينه سيتنصل الجميع منها بتحميلها مسؤوليات الخراب الدولي، ولعله قد يكون أصوات حلفائها اليوم أشد الناقمين عليها.
الفراغ الاستراتيجي
برأي حطيط، التراجع الاستراتيجي لأميركا في المنطقة ليس وليد يوم، كونه نتيجة تراكمات قديمة بدأت بالظهور مع فشل السير بتحقيق شرق الأوسط الجديد التي بشرتنا به وزيرة خارجية أميركا كونداليزا رايس في حرب تموز 2006، وبرأيي، فشل هذه الاستراتيجية يشير إلى تقدُّم مشروع “لا شرقية ولا غربية” الذي اطلقته إيران منذ عقود.. يقول حطيط: المنطقة اليوم متجهة إلى وضعية شرق أوسط مختلف عن الذي يُراد له غربياً و”إسرائيلياً”، فالشرق الأوسط الجديد سيكون لأهله، لأنه مدعوم إقليمياً ودولياً، وما يحصل اليوم في سورية والعراق من تحوّلات يؤكد هذا التوجُّه.
لبنان
عن الوضع اللبناني، يعتبر العميد حطيط أن فقدانه لقادة كبار يجعله في حالة الانتظار الإقليمي والدولي، يقول: لبنان اليوم معلَّق مصيره ومرتبط بما ستكون عليه المنطقة، لأنه لا يوجد أفرقاء يملكون استقلالية اتخاذ القرارات الجريئة، فالتفاهمات معلَّقة كما يبدو، ولهذا السبب أعتقد أن حل مشاكل لبنان مؤجَّل إلى حين أن يتبيّن الخيط الأبيض من الأسوَد في المنطقة، ولا أرى حلولاً جذرية له قبل مجيء الربيع المقبل.
أجرى الحوار: بول باسيل