أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


كأننا دكان خرضوات

الاعلام فشل أيضاً في إعادة اللحمة الى مجتمع مفكك (حياة ابو فاضل )

المناضلين الفلاسفة، القوى السياسية بكل ألوانها الزاهية، لقد جعلتم الوطن علبة خرضوات لا تصلح لشيء، بعدما أوصلتم لبنان الى بئر فساد وكساد، وحلمكم الوحيد مناصب سلطوية احتللتم مقاعدها طويلاً حتى اهترأت المقاعد واهترأ الوطن. والشعب تائه على درب “انتظار” سقط على جانبي الدرب وسقط الحلم والأمل. ومن هاجر، برعمت أغصانه في الخارج، ومن بقي اكتشف أن المكان تحوّل الى دكان عتيق ملأت رفوفه الخرضوات، وما من زبائن.
***
ما هذي البلادة التي تفتقد حكمة الحياة؟ أصابت الحكام اليوم وأصابت من أتى قبلهم، وقضت على ضمائرهم أثناء الحرب الأهلية يوم كانوا أبطالها، ويوم صاروا من سيعيد بناء ما هدموه هم، تبيّن أنهم بنوا مداميك اقتصادهم الخاص. ولما اعتلت جدران الاسمنت وديان لبنان وجباله، انقطع التواصل بين الانسان والطبيعة، وظلّت المنازل والقصور والفنادق فارغة، ما داسها إنسان، فقد كان هناك انفصام بين الحجر والروح. وهذا اللبنان الذي كان ينبض ماء وثماراً وأخضر، تعب بعدما باعه حكّامه وشعبه رخيصاً، وكلهم عبيد مال، فخذلهم وتحوّل الى دكان خرضوات.
***
لا يهم من يمثل اليوم الشعب النائم داخل جلابيب مذاهبه، فالمجلس التشريعي فقد ثقة من وعى من الشعب ذلك انه طوال مدة تمثيله ما أنجز سوى الاستمرار في مضاعفة دين الدولة المفلسة. والمجلس التنفيذي أضاع ثقة الشعب بسبب وعود مصيرية كاذبة ينثرها عاجزاً عن تحقيقها. وأخطر وأكثر مسبب لليأس سلطة قضائية فقدت ثقة من وعى ومن لم يع من الشعب لأسباب باتت لا تخفى على أحد. نعم، العصر أكثر من عصر انحطاط، هو عصر نهايات لا قيامة بعدها، فالمسؤولون واقعون داخل شرك يكرر ذاته باستمرار، وما من رجاء الا اذا استطاع اللبناني تنظيف داخله من سواد جهله وأطماعه وفساد من يلعب بمصيره من خارج لا يقلّ سوءاً عن أدواته العابثة بالداخل عندنا.
***
ولنا سلطة رابعة لا دستورية أوحت ذات يوم أنها قادرة على مقاومة الانحدار الذي يصيبنا، هي سلطة الاعلام. إلا أن الاعلام فشل هو أيضاً في إعادة اللحمة الى مجتمع مفكك، لحمة حمت في الماضي شروط “مواطنة” فقدناها اليوم. وما استطاع الاعلام فتح موضوع المعرفة المتمحورة حول “الثقافة” بكل مراحلها، وخصوصاً أمام الأجيال الجديدة كي تعرف أهمية تطوير إدراكها لكل “علم” و”نهم” جديد لحركة الوجود، فلا تظل عالقة في شرك ماضٍ مضى، ولا في قبضة تكنولوجيا تواصل من دون جدوى.. وهكذا اقتصر نشاط الاعلام على تغطية تفاصيل حركة زعماء السياسة داخل دوائر مفرغة، فصارت أقلام أهل الاعلام في خدمة شعاراتهم لقاء تبادل عمليات بيع وشراء، تماماً كعمليات تبادل الخدمات لدى السلطات الدستورية الثلاث…
وتتساءلون كيف صار لبنان دكان خرضوات؟ آخ.
***
المصدر: النهار