أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


ترامب: لمحاربة الارهاب ام لمواصلة العدوان بعد إعادة تنظيم معسكره؟

العميد أمين محمد حطيط –

في حملته الانتخابية التي قادته الى البيت الأبيض رئيسا للولايات المتحدة الأميركية التزم دونالد ترامب بمحاربة الإرهاب و على راسه تنظيم داعش في سورية و العراق معلنا عدم اهتمامه بمن يحكم هذه الدولة او تلك و كان في هذه الوعود انقلاب على سياسة اوباما  التي تمثلت بدعم الإرهاب و اتخاذه سبيلا لتغيير أنظمة الحكم في الدول و جعلته يجاهر بسعيه لأسقاط الحكومة السورية بقيادة الرئيس الأسد ليعين عملاء مرتزقة يحكمون سورية وفقا للمصالح الأميركية والصهيونية ، الامر الذي فشل أوباما فيه و لم تكفه ست سنوات من العدوان لتحقيقه .

لقد ورث ترامب من اوباما فشلا في سورية وكان عليه ان يعيد النظر باستراتيجية لم تؤد المطلوب منها، وان يختار في المراجعة طريقا من اثنين: اما التغيير والتراجع، او الإصرار على العدوان والمتابعة فيه من حيث وصل مع تطويره ليتجاوز العقبات والثغرات التي منعت من الوصول الى تحقيق الهدف او الأهداف الاستراتيجية الأساسية منه. وكانت وعود ترامب الانتخابية توحي بانه اختار الاتجاه الأول وانه بصدد محاربة الإرهاب الذي صنعه واستثمره اسلافه ولهذا وفي اول تقييم سوري لهذا السلوك قال الرئيس الأسد بان تصريحات ترامب وموقفه واعد وهو ما كانت تطالب به سورية من ست سنوات بإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب. ولكن التفاؤل السوري كان حذرا اذ لا يكفي القول بل يجب ان يقترن بالسلوك العملي أيضا حتى تحصل القناعة بان اميركا فعلا انتقلت من دور المشجع والداعم للإرهاب والمستثمر به الى دور المحارب للإرهاب بشكل جدي. فماذا في الواقع الان؟

اذا عدنا الى قواعد المنطق و الأصول العسكرية الصحيحة و المبادئ الأساسية في القانون الدولي العام فأننا نتوصل الى القول بان أي حرب على الإرهاب القائم على ارض دولة ما يجب ان يتم بالتنسيق مع القوه الشرعية الرئيسية التي تمرس السيادة على الأرض و تعمل لإرساء الامن و الاستقرار فيها ، و في الحالة السورية يعلم الجميع صديقا كان لسورية ام عدوا لها ، ان في سورية حكومة و جيش و قيادة التزمت مواجهة الإرهاب كأولوية مطلقة و حاربته منذ سنوات ست و نجحت في منعه من تحقيق أهدافه و حافظت على بنية الدولة السورية الأساسية و حالت دون سقوطها ، ما يعني ان محاربة الإرهاب في سورية لا يمكن ان تكون جدية و مشروعة و فاعلة الا اذا تمت بالتنسيق و العمل المشترك مع الحكومة السورية صاحبة الولاية الشرعية في هذا الامر . وفي التطبيق وجدنا ان إيران وحزب الله وروسيا، عندما قرو مواجهة الإرهاب بشكل جدي حماية لمصالحهم ومصالح حليفتهم الاستراتيجية سورية، فانهم توجهوا الى الحكومة السورية وعملوا معها وانجزوا في الميدان معها ما جعل العدوان على سورية يفشل فشلاً ورثه ترامب من أوباما. فهل يقتدي ترامب بروسيا ويذهب الى محاربة الإرهاب كما وعد؟

رغم الماسي التي سببتها السياسة الأميركية لسورية فان الرئيس الأسد لم يغلق الباب امام اميركا-ترامب للعمل المشترك ضد الإرهاب وكان في مقابلاته الأخيرة مع الاعلام الغربي والأميركي وكعادته شجاعا في الموقف وواضحا في التعبير عنه، لكنه أيضا كان صريحا بتحديد الشروط لمثل هذا، وهي الصدقية في الموقف وأقران الفعل بالقول في محاربة الإرهاب فهل ان ترامب سيفعل؟

ان السلوكيات الأولى لترامب لا توحي بانه سيقوم بمحاربة الإرهاب كما وعد، وما أطلقه من نوايا او رغبات لا توحي بانه جاد في تنفيذ وعوده كما يقتضي المنطق والقانون بل يبدو انه يريد تغيير طبيعة الاستثمار في الإرهاب ليس اكثر وهو يعلم ان قرارا إداريا اميركيا يتضمن تجفيف مصادر الإرهاب و معاقبة داعميه يغني عن حرب واسعة ضده ، وان في اتصالاته مع بعض المكونات السياسية والدول في المنطقة ما يوحي بانه في الواقع يسعى الى إعادة تنظيم معسكر العدوان لتحقيق مصالح مكونات هذا المعسكر إقليميا بشكل خاص مع مراجعة لتكوين المعسكر ذاته. ولهذا نجد ان ترامب يركز في خطواته الأولى على كل من إسرائيل وتركيا والسعودية لانشاء مثلث يرسي عليه استراتيجية أميركية جديدة للشرق الأوسط مع تهميش الدور الأوروبي او تجاوزه اقله في مرحلة إعادة التنظيم وبداية الانطلاق. وفي هذا السياق نسجل ما يلي:

  1. على صعيد إسرائيل: يكاد ترامب يتبنى كل طروحات إسرائيل في سورية والمنطقة سواء أعلن عن ذلك ام لم يعلن. وفي هذا السياق يتبنى ترامب كما يبدو فكرة إسرائيل إقامة المنطقة الأمنية الإسرائيلية في جنوب سورية ويتبنى فكرة عزل سورية عن حلفائها خاصة إيران وحزب الله شركائها في محور المقاومة، كما يظهر قبولا ضمنيا باحتضان إسرائيل لإرهابيي جبهة النصرة سواء لوجستيا وفتحها مؤسساتها الصحية لمعالجة مصابيهم وعملانيا بتقديم الاسناد الناري لهم في كل مرة ينزل بهم الجيش العربي السوري ضربة موجعة.  ويعد ترامب لاستقبال نتنياهو في البيت الأبيض للتأكيد على استئناف ربيع العلاقات الإسرائيلية الأميركية كحلف استراتيجي يمكن إسرائيل وبدعم أميركي مفتوح من السير قدما في سياستها ضد سورية وطبعا ضد فلسطين، ولا ننسى ان إسرائيل هي صاحبة المصلحة باستمرار الحرب في سورية لاستنزافها واستنزاف محور المقاومة عبرها ولا مصلحة لها مطلقا بمحاربة الإرهاب التي ساهمت في انشائه.
  2. على صعيد تركيا : بعد تعقد في العلاقات الأميركية التركية و بعد الهزيمة الكبرى التي تلقتها تركيا في حلب على يد الجيش العربي السوري و حلفاؤه ، اغتنمت تركيا فرصة مد اليد الروسية اليها و اجرت تحركا محدودا لموقعها كراس حربة للعدوان على سورية ، و دخلت مع روسيا و ايران لتشكل مثلث الدعوة و الرعاية لوقف الاعمال القتالية في سورية بعد فرز قوى الإرهاب المتمادي عن فصائل الإرهاب المتراجع و هي فصائل ارتضت بالسير بالحل السياسي ، لكن يبدو ان هذا الزحزحة او الانزياح التركي ليس نهائيا ، اذا بمجرد الاتصال الهاتفي بين ترامب و اردغان ، و العودة الى طرح المناطق الامنة التي كانت تريدها تركيا و لا زالت من اجل إقامة مناطق نفوذ لها في سورية ، مع وعد أميركي بمراجعة العلاقة مع الاكراد السوريين ، بمجرد ان حصل هذا في ساعة حتى عادت تركيا الى مراجعة مواقفها من استنه و واعمالها العسكرية و السياسية  و مقتضياتها و عادت الى موقع لا يشجع على المراهنة على دور فاعل لها في فصل الإرهابيين عن باقي المسلحين او في وقف العمليات القتالية او تشجيع المباحثات بين السوريين للوصل الى مخرج سياسي من الازمة موقع يؤكد بانها لم تغادر معسكر العدوان مطلقا.
  3. اما على صعيد السعودية. لا يوجد أحد في العالم يجهل بان الفكر الوهابي الذي تعتمده السعودية هو الذي بنيت بمقتضاه الجماعات الإرهابية من القاعدة الى داعش الى النصرة بناء تم بأشراف واحتضان أميركي اكيد وهذا ما يعلمه يقينا ترامب وصرح به أيضا. والكل يعلم بان ما يقال عن عملية 11 أيلول 2001 انما نفذته مجموعة إرهابية معظم عناصرها من المملكة السعودية. ومع هذا فان ترامب استثنى السعودية من قرارات منع السفر الى اميركا، ثم اتخذ من التدابير ما يوحي للسعودية بانها ركن رئيسي في سياسته في المنطقة يعول عليها لبلوغ أهدافه الاستراتيجية ولم يكن تقليد ولي العهد السعودي الوسام الأميركي الرفيع في الشهر الأول لولاية ترامب صدفة تزامنت ايضا مع تصعيد كلامي وسياسي أميركي ضد إيران بشكل يدغدغ مشاعر السعودية التي ترى في إيران عدوا لها، في الوقت الذي تقوم فيه إيران الى جانب محور المقاومة بالدور المميز في محاربة الإرهاب في العراق وسورية.

لقد تجاهل ترامب الدور الرئيسي السعودي في انتاج الإرهاب وتنميته وذهب اليها مادا اليد واعدا بالمزيد من العلاقات الاستراتيجية في سلوك يتناقض كليا مع كل وعوده في محاربة الإرهاب. فهل يمكننا بعد ذلك الاطمئنان الى جدية ترامب في محاربة الإرهاب؟

 

اننا ومع رغبتنا في ان يستفيق الأميركي على حقيقة الإرهاب ويعلم انه ليس السلاح الفعال الذي يحقق أهدافه به، فأننا وحتى هذه اللحظة لا نجد في أي من سلوكيات ترامب ما يؤشر الى نية أميركية صادقة في الإقلاع عن الاستثمار بالإرهاب، وان جل ما يقوم به ترامب الان هو إعادة تنظيم معسكر العدوان وشد عصبه، معتمدا في ذلك بشكل أساسي على مثلث إقليمي لكل من مكوناته وظيفة و ليكون له ورقة قوة إذا سارات العملية السياسية كما ينبغي، او ليعود به الى الميدان إذا وجد الظرف مناسبا و هنا يجب التمسك دائما بعدم الثقة باردغان و سلوكه مهما ادعى او تظاهر بانه قد يتراجع عن موقعه في معسكر العدوان على سورية و ان لا ننسى بان مثلث ترامب الإقليمي يتشكل ممن يناصب العداء لسورية.

العميد د. امين محمد حطيط