بعد زيارتي ملك الاردن المتتابعتين لكل من موسكو وواشنطن ولقائه مع رئيسي البلدين، استأنفت الطائرات الحربية الأردنية، وبعد انقطاع لأكثر من عام غاراتها على مواقع “داعش”، وذراعها الرئيسي في منطقة درعا الحدودية (جيش خالد بن الوليد)، ودمرت موقعا عسكريا لها
تساؤلات كثيرة سادت الاوساط الأردنية والإقليمية حول أسباب هذا التحول المفاجىء في الموقف الأردني، الذي ظل طوال السنوات الست الماضية يميل اكثر الى جانب المعارضة السورية المسلحة، ويدرب عناصر تابعة لها بإيعاز امريكي في ثكنات عسكرية اردنية، يستضيف غرفة “الموك” التي تضم ممثلين عن اجهزة استخبارات أمريكية وأوروبية وسعودية تشرف على تنسيق العمليات العسكرية في العمق السوري.
للإجابة على بعض هذه التساؤلات ان لم يكن معظمها، لا بد من التوقف عند بعض النقاط المهمة:
أولا: باتت السلطات الأردنية تدرك جيدا ان الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى في السلطة لما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2021، حيث سيترشح بعدها لفترتين انتخابيتين جديدتين، مثلما جاء في مسودة الدستور الروسي لسوريا.
ثانيا: بعد استعادة الجيش السوري لمدينة حلب بدعم روسي إيراني حزب اللهي، باتت الحكومة الأردنية مقتنعة ان المعركة المقبلة ستكون في جبهة درعا الجنوبية السورية الامر الذي دفعها لإظهار بوادر حسن النية تجاه النظام السوري وحليفه الروسي أيضا.
ثالثا: انضمت اعداد كبيرة من قوات الجيش السوري الحر الى “هيئة تحرير الشام” بقيادة تنظيم النصرة، وباتت الحكومة الأردنية تعتبر هذه الجبهة “إرهابية”، أي انها حسمت امرها، ولذلك باتت تشعر ان وجودها في درعا يشكل تهديدا لها، مع تزايد احتمالات قيام تنسيق بين الجبهة الجديدة وتنظيم “داعش”، وبدأ الاعلام الأردني يتحدث عن جرائم جبهة “النصرة” والقول بأنها لا تقل فظاعة عن جرام “داعش”، أي ان الهدنة غير المعلنة بين الجانبين انهارت.
رابعا: بدأت القيادة العسكرية الأردنية تشعر بالقلق من تزايد نفوذ “داعش” في أوساط مخيمي الركبان والحدلات في الشمال الشرقي من الحدود الأردنية داخل الحدود السورية، واقدام مسلحين دواعش على شن هجمات داخل الأردن، ويضم المخيمان اكثر من مئة الف نازح معظمهم من البادية السورية، ولا تريد هذه القيادة ان تصبح الحدود الشمالية مع سوريا، التي تزيد عن 400 كيلومتر مسرحا لعمليات “داعش” و”جبهة تحرير الشام” لاحقا.
خامسا: هذه الغارات تهدف أيضا الى منع وصول “خالد بن الوليد” الى الحدود مع فلسطين المحتلة، الامر الذي قد يترتب عليه اشتباكات مع الجيش الإسرائيلي وبما يؤدي الى خلط الأوراق في الجبهة الجنوبية السورية، وبما يخدم هذا الجيش وايديولوجيته العقائدية المتشددة، خاصة ان له امتدادات عقائدية في العمق الأردني.
سادسا: حالة اليأس التي تسود النخبة السياسية الأردنية تجاه وصول دعم مالي خليجي، ومن السعودية خاصة الامر الذي قد يرجح اقتراب الأردن اكثر فأكثر من المحور الروسي في الازمة السورية.
الأردن بلد بسيط جغرافيا وبشريا، ومحاط بدول إقليمية عظمى تواجه معظمها حروبا وصراعات داخلية وخارجية، ولذلك يحاول صانعو القرار فيه ان يسيرون فوق عدة احبال رفيعة جدا، وبأحمال ثقيلة، دون ان يقعوا على الأرض، وهذه مهمة صعبة، وقد تكون شبه مستحيلة.
استئناف القصف لمواقع “داعش” في درعا، ودعم جيش العشائر الشامية في منطقة جنوب شرق سوريا، بعد فشل تجربة قوات سوريا الجديدة، المدعومة أمريكيا، لقتال “داعش” في دير الزور وريف حمص، ربما يزيدان من النزعات الانتقامية لديها، “أي داعش”، وتعريض امن الأردن للخطر على غرار ما حدث في الهجمات الأخيرة في الكرك، وربما تتوسع دائرة هذا الخطر اذا ما انضم الأردن الى معسكر الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي بدأ التحرش بإيران، ووجد دعما لسياساته من جانب حلفاء الأردن في الخليج ( الفارسي )، وخاصة السعودية.
الأردن يقف هذه الأيام امام خيارات صعبة وحساسة في ظل وضع اقتصادي متأزم، وعلى نخبته السياسية مراجعة كل هذه الخيارات بالنظر الى التطورات المتسارعة في الملفات السورية والإيرانية والعراقية، واتخاذ القرار الأفضل، او الاصلح، او الأقل سوءا وضررا.
-رأي اليوم-