أخبار عاجلة

عَ مدار الساعة


جسر بحري… أوفر

البروفيسور جاسم عجاقة –

كان لافتاً إفتتاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جسراً جديداً على مضيق البوسفور، والذي سجّل أرقاماً قياسية عالمية جديدة دافعاً بتركيا إلى المراكز العالمية الأولى. والمقارنة مع مشروع توسيع أوتوستراد جونية يُوصلنا إلى حقيقة مرّة أن هذا المشروع سيكون هدراً للمال دون فائدة حقيقة. فهل يكون المثال التركي هو الحلّ؟

أقرّ مجلس الوزراء اللبناني في جلسته بتاريخ 30 حزيران/ يونيو 2016 مشروع توسيع أوتوستراد جونية من نهر الكلب إلى طبرجا، على طول 10.5 كم. ووفق المعلومات، فإن الدراسة التي تمّت في العام 2006، نصّت على زيادة ممر على كل جهة من الأوتوستراد. وهذا يعني أنه يتوجّب إستملاك العقارات المُتاخمة للطريق، من الجهتين والتي قدّر مجلس الإنماء والإعمار كلفتها بـ34 مليون دولار. وبالتالي، فإن كل جهة من الطريق ستحوي على ثلاثة ممرات (بدل إثنين) يفصلها عن مواقف المحال التجارية جدار إسمنتي بارتفاع 80 سم. ولتمويل المشروع، قامت الحكومة بالتوقيع على قرض بقيمة 70 مليون يورو من البنك الاوروبي للإستثمار EIB.

ajka

ووفق تقديرات مجلس الإنماء والإعمار، يدخل بيروت كل يوم 500 ألف سيارة، منها 294 ألفاً من مدخلها الشمالي (أي جونية)، 126 ألف من المدخل الجنوبي و95 ألف من المدخل الشرقي.


إذن، وبحسب المشروع، سيتم زيادة قدرة إستيعاب أوتوستراد جونية بنسبة 33% مما يُخفف من الزحمة الخانقة التي يعيشها 294 ألف سائق يقصدون بيروت كل يوم صباحاً. لكن ما غاب عن البال أن المشروع الذي تمّ وضعه في العام 2006، لم يأخذ بعين الإعتبار الزيادة في عدد السيارات والتي تُقدّر بـ50 ألف سيارة سنوياً، دون إحتساب سيارات النازحين السوريين والسيارات غير المُسجّلة.

يعني ذلك أن المشروع المُتوقع أن يبدأ العمل فيه في حزيران 2017، سيستغرق بناؤه 4 أعوام، وبالتالي عند الإنتهاء منه سيكون الوضع على ما هو عليه حالياً، أي زحمة سير خانقة لأن عدد السيارات سيزداد حكماً.

هذا المشروع هو كارثي من نواحٍ عدة:
أولاً، لعدم قدرته على إستيعاب عدد السيارات عند الإنتهاء منه.
ثانياً، إن الزحمة التي سيتحمّلها السائقون خلال فترة العمل في المشروع ستكون أعظم وأسوأ من الزحمة الحالية، ولن تنجح الحلول المؤقتة في الحفاظ على وضع مقبول نسبة إلى زحمة اليوم.
ثالثاً، الضرر الذي سيُصيب التجار الموجودين على جانِبَي الأوتوستراد. وهنا السؤال عمّا إذا كانت التعويضات ستكون كافية للبدء بأعمال في أماكن أخرى.
رابعاً، هناك مُشكلة تقدير هذه التعويضات والتي ترك مجلس الوزراء للبلديات حرية التقدير فيها. فهل ستكون هناك شفافية كافية في هذه التقديرات؟

في الماضي، تمَ طرح مشروع جسر بحري يربط طبرجا ببيروت. هذا المشروع تمّ وضعه في أدراج مجلس الوزراء، والسبب يعود وفق المعلومات إلى الكلفة العالية. لذا، قمنا بدراسة الجدوى الإقتصادية لهذا المشروع وأتت النتائج على النحو التالي:

إقترحنا جسراً بحرياً يربط طبرجا قرب كازينو لبنان ببيروت عند الكرنتينا (بين مرفأ بيروت ومكب برج حمّود). يبلغ طول هذا الجسر 15.74 كلم وعرضه 30 متراً وعلوه عن سطح البحر 10 أمتار، لكي يسمح للبواخر الكبيرة بالعبور. يحوي الجسر على خطين (ذهاباً وإياباً) مع 4 ممرات في كل اتجاه، حيث أن ثلاثة ممرات تكون للسيارات والرابع للتراموي أو للتوقف الإضطراري. ويتمتع هذا الجسر بإكتفاء كهربائي ذاتي من خلال الطاقة الشمسية.

ويسمح الجسر بعبور 30 ألف سيارة كل ساعة، أي أن 5 ساعات كافية لتمرير نصف عدد السيارات التي تدخل بيروت من المدخل الشمالي.

وبالنظر إلى المشاريع المشابهة لهذا الجسر في العالم، نرى أن كلفة هذا المشروع لا تتعدّى 750 مليون دولار مع كامل تجهيزاته (إنارة، تراموي، إشارات…). ومُقارنة هذا المشروع بمشروع توسيع أوتوستراد جونية يُوصلنا إلى الإستنتاج الآتي: أن الإستمرار في مشروع توسيع أوتوستراد جونية هو هدر للمال بكل ما للكلمة من معنى.

الجسر هو حلّ جذري في حين أن توسيع الأوتوستراد حلّ مؤقت. أضف إلى ذلك، أن العمل على هذا الجسر لن يؤثر على السير خلال فترة الأعمال كما هي الحال مع مشروع توسيع أوتوستراد جونية. ويحتاج إتمام هذا المشروع إلى عامين مقارنة بـ4 سنوات لمشروع توسيع أوتوستراد جونية.

إن الخسارة السنوية للإقتصاد اللبناني طبقاً لحساباتنا والناتجة من زحمة السير تفوق الملياري دولار أميركي. هذه الخسارة يُمكن محوها أو تقليصها، بواسطة مشروع الجسر البحري. ما يعني أننا قادرون خلال عامين على إسترداد كلفة الجسر.

كذلك، يُمكن وضع تعرفة (دولار مثلاً) لكل سيّارة تعبر الجسر وبإعتبار أن هناك 100 ألف سيارة تعبر الجسر ذهاباً وإياباً في اليوم، فإن مدخول الجسر سيكون 37 مليون دولار سنوياً تسمح بتمويل أعمال الصيانة عليه. وهذه التعرفة لن تكون إضافية على السائق الذي سيوفّر أكثر من ذلك من تفادي زحمة السير، وما ينتج عنها من إستهلاك الوقود.

ولكل من يرى أن الكلفة عالية نقول: هل يُعقل أنه تمّ إقرار مشروع تنظيف 10 كلم من نهر الليطاني بكلفة 840 مليون دولار أميركي، ولا نُقرّ مشروع إنشاء جسر بطول 15,74 كلم يُوفّر على الإقتصاد ملياري دولار وبكلفة 750 مليون دولار كحدّ أقصى؟