علّق الأُستاذ الجامعيّ والرّئيس السّابق للمركز التّربويّ للبُحوث والإِنماء، الدُّكتور نمر فريحة، على خطاب ونستون تشرشل الّذي قال فيه إِنّ “معركة بريطانيا ستبدأُ، وعليها يعتمد بقاء الحضارة المسيحيّة”، فكتب د. فريحة مُعلّقًا عبر حساب كاتب المقالة رزق الله الحلو على “فيسبوك”: “مِن دون الدُّخول في بعض التّفاصيل، فما فعلته بريطانيا عبر تاريخها الحديث، هو تدميرٌ للمسيحيّين، وبخاصّةٍ في بلاد المشرق”.
وبغضّ النّظر عن سياسة الإِنكليز تجاه المسيحيّين المشرقيّين، فإِنّ الشّعب الحيّ، لا يُمكن أَن ينسى تضحيات قائده… وهذا ما حصل للشّعب البريطانيّ خلال الحرب العالميّة الثّانية!. ففي أَيّار (مايو) 1981، أَصدر لينين دييتون – مُؤَرّخ وكاتب قصّة بريطانيّ – كتابًا يدّعي فيه أَنّ ونستون تشرشل، كان يستعدّ للاستسلام لهتلر. وقد وصف المُؤَرّخ البريطانيّ تشرشل بأَنّه “بطلٌ… ولكن بقدمَيْن مِن طينٍ”. وعن رواية الاستسلام قال لين دييتون: “قبل استسلام فرنسا بثلاثة أَيّامٍ، كانت معنويّات ونستون تشرشل مُنخفضةً للغاية، فعرض الاستسلام، في مُقابل تسليم هتلر المُستعمرات البريطانيّة في أَفريقيا، والّتي كانت استولت عليها أَلمانيا، بعد الحرب العالميّة الأُولى. وزيادةً في التّضليل، وضع الكاتب صورةً لتشرشل، وهو يُصافح هتلر، وقد تبيّن لاحقًا أَنّها صورةٌ مُزيّفةٌ.
ردّة الفعل الأُولى أَتت مِن الدّكتور مارتن جيلبرت، وهو الآخَر مُؤرّخٌ بريطانيٌّ، كتب سيرة تشرشل يومًا بيومٍ. وأَعلن أَنّ الأَخير لم يلتقِ هتلر البتّة، لا في العام 1940، ولا في أَيّ عامٍ آخر. وقد وصف جيلبرت اليومَين الأَخيرَين قبل دُخول تشرشل معركة الدّفاع عن بريطانيا، بأَنّهُما كانا مِن أَصعب الأَيام الّتي عاشها رئيس الوزراء البريطانيّ.
إِتّهام تشرشل بأَنّه سعى إِلى الاستسلام، لم يرقَ للشّعب البريطانيّ، لأَنّه كان مُدركًا تمامًا، نفسيّة حُكّامه، ونصاعة سيرتهم، ومدى وطنيّتهم… وأَحد هَؤُلاء ونستون تشرشل!. ولقد كان وقع كتاب لينين دييتون كالزّلزال في الشّارع اللُندُنيّ، فأَحدث موجةً مِن السُّخط والغضب الشّديد لدى البريطانيّين. لقد هاجم الكتاب نُقادٌ ومُؤَرّخُون كُثُر، كما وعبّر الزُّعماء السّياسيُّون عن استيائهم ممّا تضمّنه مِن مُغالطاتٍ وافتراءاتٍ وأَكاذيب… ومهما حاول بعض المُشكّكين طمس فضائل عُظماء التّاريخ، يبقى رصيد القائد في قُلوب شعبه كبيرًا!.
فهنيئًا لبريطانيا انتصارها، وفي إِمكان كُلّ بلدٍ أَن يكسر الاحتلال ويُحرّر أَرضه مِن رجسه، إِذا ما كانت نُفوس الشّعب مُتحرّرة مِن العمال والعُمولة…
وقد تصحّ المُوافقة أَو عدمها في شأن سياسة بريطانيا الخارجيّة… إِذ إِنّ التّاريخ يحكُم في ذلك استنادًا إِلى تبعات سياسة الدّولة على الدّولة صاحبة الشّأن أَوّلًا، ومِن ثمّ على محيطها وتاليًا على العالم أَجمع… بيد أَنّ تشويه صورة المُقاومة أَو المُقاومين لا تصحّ، وهي تاليًا ليست وجهة نظرٍ… بل إِنّها تتحصّن بشهادة بُطولةٍ لا لبس فيها، ممنوحةٍ مِن التّاريخ!.
رزق الله الحلو – صحافيّ وخبير تربويّ