“الهجرة” مصطلح بات يُستعمل في الحياة الطبيعيّة أكثر من أي مصطلح آخر، خصوصًا في الأيام الأخيرة بعد تبيان إفلاس الدولة وتدهور الوضع المعيشيّ الذي طال كل بيت لبنانيّ. لكن، إلى أين؟ فالعالم كله يعاني من مشاكل إقتصاديّة خانقة، ممّا سيؤدّي إلى إرسال أو عودة كل من سبق وهاجروا إلى بلادهم.
بعيدًا عن المشاكل الإقتصاديّة، علينا ألّا ننسى الفيروس الجائح، الذي تسبب بعودة المغتربين إلى بلدهم الأم، حيث الأمان والراحة والأهل.
من هنا، أصبحت الهجرة أمر موجع، أي الإبتعاد عن العائلة المعروفة بمصدر الأمان والطمأنينة، لم ولن يكن أمرًا سهلاً.
أما الأكثر ألمًا، هو عندما يُسأل في الصف “مين مسافر تيكمّل عِلمو برّا؟”، لِيَرفع أكثر من نصف الصف يده…
من الممكن أن تكون الهجرة مصدر لتحقيق الأحلام المحطّمة في بلد مثل لبنان، لكن… الإنتفاضة الشعبية لما تحصل؟ أليست في البداية لتحسين الوضع المعيشيّ ولمحاسبة كل من شارك في الفساد لإيصال لبناننا إلى هذه المرحلة؟
أحلامنا، نصنعها معًا… اليد باليد و”الكتف على الكتف”، فمن منا لم يكن لديه أحلام؟
أغلب أحلامنا مختلفة، لكن حلم إبقاء لبنان هو الحلم الوحيد الذي يجمعنا. والآن، يمكنني الإجابة عن السؤال “رح تبقوا بلبنان؟”…
نعم… علينا البقاء، كي يبقى لبنان…
نحن جيل اليوم أي جيل الأمل لأجيال المستقبل. عمليّة بناء لبنان الجديد أصبحت مسؤوليّة لبقاء الوطن، ومن أولى خطواتها هي البقاء، ثم إصلاح البلد المبني منذ تأسيسه على التفاهمات والصفقات وعدم المحاسبة وتجهيل الفاعل.
في هذا السياق، نسترجع كلام “المطران جورج خضر” في نصه “إلى شباب بلادي” عندما قال “ورثتم بلدًا أسأنا (أبناء جيل الحرب) إليه (من ناحية الطبيعة الذي اعتبرها مثل التاريخ والدولة والطبائع والأخلاق)”… ليعود من بعدها ويقول “كل شيء في عهدتكم لتستعيدوا جماله بعد أن تكونوا قد آمنتم أن الإنسان يستطيع الكثير. أنا لا أستهين بوطأة الزمان الرديء وتردي أوضاع تحيط بنا ولا نقدر وحدنا أن نرفعها عن كاهلنا وأعرف كم تقسو سياسة لا أحد منكم صانعها. غير أني موقن أن مسؤولية التغيير في أعناقكم إذا آمنتم بقدرتكم على نقل الجبال وتبديل ما لم نستطع نحن تبديله… إن تجدد الروح فيكم، فأحببتم لبنان على نفوسكم فسيظهر وطنا متجددا لا يقدر أحد أن يمحوه بعد أن تكونوا قد أقمتموه على الجدّ… كل شيء يمكن أن يصبح لكم جديدًا”.
أخيرًا، إصرارنا على الإصلاح هو خلاصنا، فإذا حققنا هذا الأخير، تتحقق كل أحلامنا، فيتحقق لبناننا…
إبقوا في لبنان، كي يبقى الوطن!