نشهد من جديد اليوم صمت تام لِمواطنين نامت ضمائرهم نومًا عميقًا صعب الاستيقاظ منه. لِتبقى تلك الضمائر مستترة ان اِستيقظت فجأةً فتنادي من فمِ اخرس، بعد ان تترك المناضلين وحدهم في الساحة يتمرجحون بين مفهوم الصح والخطأ وبين الصور التي انزرعت في ذاكرتهم عن مرارة الماضي ونظرتهم الى مستقبل ينبضُ منه بصيص امل، لعله يكون الفرصة الاخيرة لهذا الكيان الصغير المسمى “لبنان”.
انهُ الفرصة الاخيرة، انهُ فخامة الرئيس العماد ميشال عون حاملًا بِيده شعلة التحرير والتغيير. تلك الشعلة المجهولة عند الكثير من شباب اليوم بما انهم لم يعيشوا اي معركة في الحرب الاهلية او طغيان الوصاية السورية. فالزمن لم يسمح لهم بتذكر ايام صعبة مرت على لبنان حين كان مؤسس التيار فخامة الرئيس ما يزال دولة الرئيس وهو يرأس حكومة عسكرية مكونة من ثلاثة وزراء فقط، رغم ذلك قاتل لِيُحافظ على سيادة وطن مسلوب الحرية، نصفه ميليشيا ونصفه الاخر خائف من الميليشيا.
تأييدنا التام لِفخامة الرئيس لم يأتي من عدم او خادمًا لأي مصالح شخصية، فإذا كانت الأوطان تقوم وتختصر بِرجال يعتبرون رموز لكل القادة، لِتتعلم منهم العصور والأجيال، أو ترفع لهم القبعات بين سطور التاريخ، فإن ميشال عون هو رمزنا الوطني والفكري والإنساني في بناء دولة مستقلة وسيادية، كما انه مهندس للقضية اللبنانية التي تنُص على مفهوم الدولة واحترامها كَكيان لا يجب المَس بِهِ او تقليص هيبته. فمبادئ العماد عون على مرّ السنين والمناصب والمواقف ظلت تلتقي جميعها حول جوهر لبنان، موطنًا للحريات وكرامة الانسان.
وإذا كان الالتزام يعني النضال في سبيل قضية معينة والدفاع عنها، فالجنرال عون التزم بالقضايا اللبنانية التزامًا تامًا حتى لو كان الثمن 15 سنة بُعد وعذاب منفى. فاستطاع بِحنكته ومبادئه ان يستقطب المواطنين لِيكونوا سيفه اِن حارب، قلمه اِن كَتَب، لسانه اِن حكى وضميره اِن حكم. فشهدت الارض اللبنانية حملات ومظاهرات تأييد كثيرة حتى يصعب عدُها، اِذ بدءنا من بداية العماد عون حوالي سنة 1988 في القصر الجمهوري الذي حوله الى قصر الشعب وتواجد الناس اليومي في ساحة ذلك القصر. مرورًا بِمظاهرة 1 تشرين الثاني 2016 ذلك اليوم الذهبي الذي اثبت جملة “الحق لا يموت” عند دخول سعادة النائب العماد ميشال عون الى بعبدا كَفخامة الرئيس العماد ميشال عون. وصولًا الى مظاهرة التأييد تحت اسم “أهل الوفا” في 3 تشرين الثاني 2019 فالساحات لم تسع جمهور العماد عون الذي زُعم في يوم انه لم يعد موجود بعد ثورة 13 تشرين او اُفضل تسميته حراك 13 تشرين اِحترامًا لِمفهوم “الثورة” وكل من قدم حياته من اجل اِنتصارها في اي بقعة بالعالم.
وقبل ان نبدأ بالمواطنين وتصنيف الانتفاضة لِنلقي نظرة على بعض السياسيين الذي اعتقدنا انهم حلفاء حتى وصول العماد الى الجمهورية، كان الجنرال خير اب حتى مع من لم يستاهل كالشيخ سعد الدين الحريري، فمن منا لا يتذكر ذلك المشهد في استعراض عيد الاستقلال سنة ٢٠١٨ ودمعة فخامة الرئيس على خده وهو ُيقبله بعد رجوعه. لكن هذا لم يكن شيء امام ما فعله الاخرين، فالحريرية السياسية كانت معروفة ومتوقعة، بل الصدمة الجديدة كانت حب فرنجية اللامتناهي لِكرسي الجمهورية التي جعلته ينسى انه تربى يتيم ويسقط كل حقده على الجنرال، مع العلم انه اول من أعطاه صفة أب ففي كل مقابلاته التلفزيونية كان فرنجية عند سؤاله عن العماد عون يُجاوب بِهذا “ابي” بالاضافة الى جملته الشهيرة “انا مع الجنرال لم يعد حدودي المدفون، أصبح حدودي لبنان” لكنه تبين لنا الان ان حدوده كرسي يحلم بها تمامًا كصديقه الجديد الذي جعلنا نعتقد ان بعد اتفاق معراب الجليد سينكسر ومرحلة جديدة ستبدأ.
وللأسف هنا لا نطرح اسماء عابرة بل اسماء زعماء، اجيال من شعبيتهم تتربى على خطاباتهم الرنانة. على الرغم من إطلاق كلمة مواطن على من يولد ويسكن أرض الوطن، إلا أنّ المواطن الحقيقيّ، هو من يتمتع بصفة الاصلاح قولاً وفعلاً، فتلعب الأُحزاب دورًا رئيسيًا في غرس محبة الوطن في نفوس أفرادها وتعليمهم كيفيّة الانتماء إليه، من خلال ممارستهم على أرض الواقع. فيكون لها تأثير كبير خاصةً في عمر المراهقة، فما اخطرها اِن كان توجيهها فقط زرع تعصُب يخدم مصالح شخصية. فيصبح انتمائهم لحزبهم مرتبط باِنتقاد الحزب الاخر والبحث الدائم عن اخطائه ونقاط ضعفه حتى رويدًا رويدًا تُنسى مبادئ الحزب وعقيدته التي جعلت ذلك المواطن ينتسب اليه وينشغل انشغالًا تامًا بالحزب الاخر. ويصبح محاربة الفساد بالنسبة له ضمن اِطار واحد لا يوجد غيره. وان لم يجد اي خطأ جديد لِيُشهر به فيلجأ لِتأليف الشائعات لكي يُثبت لِنفسه اولًا و لِحزب ثانيًا انه انسان مُنتج.
وبهذه الحالة تصبح وحدة اللبنانيين مستحيلة وخلاصه من منظومة الفساد مجرد تمني. لقد قالها سابقًا سعادة النائب جبران باسيل: “الرئيس لا يسقُط الا اِذا اراد هو ان يستقيل، وليس العماد عون من يفعل ذلك”. فلا مجال امام اللبنانيين الا التعاون ليستفيدوا من فرصتهم الاخيرة، ان لم يكُن الاصلاح في هذا العهد، لن يكون ابدًا.